عبدالله ناصر الفوزان - الوطن السعودية تظل أحياناً حائراً عدة أيام وربما أسابيع أو شهوراً أو سنوات لا تدري كيف يمكنك أن تقنع الطرف المحايد الذي يتابع حوارك الفكري مع الطرف الآخر أن ذلك الطرف الآخر لا يقبل النقاش ويعتبر ما يراه هو الصواب المطلق فإما أن تكون معه أو يعتبرك مع الشياطين، ومع أن تلك المفردات التي يستخدمها في ردوده عليك مفردات نابية وألفاظه جارحة وعباراته شتائم بلا مضامين مما يجعلها تبدو في نظر الطرف المحايد ساقطة لا تعبر عن طرف يحترم الحوار والاختلاف ويسعى للاقتناع أو الإقناع، أقول مع هذا فإنك قد لا تكتفي بذلك وتبحث عن الوثيقة الدامغة التي تكون هي الشهادة الفاصلة التي تقوم بدور (جهيزة) فتقطع قول كل خطيب، ولكن كيف تجد تلك الوثيقة الغالية...؟؟ خلال السنوات الماضية التي كنت أتعرض خلالها بين الوقت والآخر لهجوم بألفاظ نابية وشتائم في المواقع الإلكترونية في ردود على بعض ما أكتب كنت مقتنعاً بأن مثل تلك الردود النابية لا يمكن أن تكسب مصداقية أو تقنع أحداً، وكنت أتساءل بعجب شديد عما إذا كانت تلك الردود والشتائم تعبر بالفعل عن تيار موجود أم أن تلك المواقع الإلكترونية هي التي تشوه واقع ذلك التيار بالأساليب التي تنتهجها... أي أني كنت حائراً لا أستطيع القطع بأن ذلك المستوى الهابط من الحوار الذي أواجهه يمثل بالفعل عقلية تيار موجود فعلاً، وكنت وأنا أمر بتلك الحيرة أحاول أن أجد تلك الوثيقة التي تنير لي الطريق وأستطيع أن أقدمها للطرف المحايد المتابع للحوار ليكون فيها القول الفصل. في نهاية رمضان المبارك عثرت على تلك الوثيقة الثمينة بالصدفة ومن غير أن أحتسب وقد حصل ذلك وأنا أتصفح صحفنا المحلية ليوم السبت 28 رمضان 1430 فقد وجدت أن صحيفة الرياض نقلت بعض مضامين المحاضرة التي ألقاها الشيخ الدكتور عايض القرني في مجلس الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد الإمارات يوم الأربعاء 25/9/1430 في العاصمة الإماراتية (أبوظبي) ففي تلك المحاضرة التي كان عنوانها (ثقافة التسامح في الإسلام) انتقد الشيخ عايض خطابنا الديني انتقاداً شديداً، وهكذا سماه (خطابنا الديني) ولما كان لا يمكن أن يقصد الخطاب الديني في دولة الإمارات فمن الواضح أنه يقصد الخطاب الديني هنا في المملكة، وقد وصم هذا الخطاب بالتشدد ولم يكتف بالعموميات بل فصل كثيراً، وأستطيع اختصاره بأنه نقد شديد لكثير من أوجه خطابنا الديني بما في ذلك خطب الجمعة لكونه يتسم بالتشدد ولا يمثل (ثقافة التسامح في الإسلام) وقد قال بعد نقد شديد إننا (لسنا أوصياء على الدين، وليس أحد منا ناطقاً رسمياً باسم الإسلام، ومفاتيح الجنة ليست بأيدينا، وجميعنا من ملوك وزعماء ومفكرين وأدباء نخطئ ونصيب، وينبغي ألا نعطي قداسة لشخص حتى لا يفرض آراءه على الآخرين، وألا نخلط بين كلام العلماء وكلام الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم). ولكن يهمني من كل ما قاله الشيخ عايض كما نقلت "الرياض" حرفياً قوله (والملاحظ أن خطابنا الديني إقصائي). نعم... هذا ما قاله الشيخ عايض القرني أحد أصحاب ذلك الخطاب فقد أكد بشكل جازم أن خطابنا الديني إقصائي، وهذه وثيقة دامغة (شهد شاهد من أهلها) ومثل تلك الشهادة لابد أن نحترمها ونأخذها في الاعتبار وطبعاً الشيخ عايض لا يقصد القول إن الخطاب بجملته إقصائي ولكن يقصد أن غالبيته أو أن جزءاً كبيراً منه على الأقل يحمل هذا المدلول. فشكراً جزيلاً للشيخ عايض على حياديته وعلى شهادته القيمة.