يقول لي فضيلة الشيخ القاضي، وأنا أسأله عن طبيعة القضايا على طاولته في نهار رمضان: في العادة يحجم الناس عن الترافع حول الحقوق في الشهر الكريم ولهذا يندر أن نستقبل في المكتب القضائي مرافعات تعتمد على الدعوى والإجابة. يقول لي: بات من الطبيعي في رمضان المبارك أن نعيد، وبطلب المترافعين جدولة مواعيد جلساتهم إلى ما بعد انقضاء الشهر. وبالطبع، أستنتج من هذا ما لم يقله فضيلته فأقول: في العادة يحجم الناس عن الترافع القضائي في رمضان لأنهم مؤمنون أنه لا يجوز الفجور في الخصام في شهر الصوم ولكن: لماذا لا يؤمنون ذات اليقين في شوال وفيما بعده؟ هم لا يحبذون الحنث في اليمين في رمضان ولكن: لماذا يستسهلون هذا الحنث في شوال وفيما بعده؟ هم "يفرملون" عن أكل أموال الناس بالباطل واستساغة امتلاك ما لا يجوز لهم في رمضان ولكن: لماذا يعتقدون أن هذه الأفعال أقل جرما في شوال وفيما بعده؟ الإثم، مهما كان والخطيئة والجريمة لا علاقة لها بالتباين، زيادة أو نقصانا، ما بين رمضان وشوال ولم نقرأ في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ما يميز الشهر الفضيل في هذه الأفعال من الجنح الأخلاقي. أنا مؤمن تمام الإيمان أنه لا يذهب اثنان إلى مكتب قضائي في خلاف على أي شيء كان إلا وأحدهما يعرف بالضبط أنه يريد عبر القضاء أن يستولي على ما لا يستحق. نحن بأنفسنا نستطيع أن نكون "القضاة" عبر المسطرة الأخلاقية التي احتكمنا إليها في شهر رمضان الفضيل، وبهذه المسطرة ترددنا وأحجمنا ألا نذهب للمحاكم في رمضان. لكن رمضان المبارك لا يجب أن يتحول إلى مجرد مسطرة أخلاقية وقتية محددة تنطلق بعدها شياطين شوال. ويجب ألا نحول هذا الشهر الكريم إلى مجرد هدنة مؤقتة مع هذه الشياطين في قلب الغريزة الإنسانية. نحن بالفعل نبرهن أننا نتعامل مع هذه الفروض والعبادات المقدسة كمجرد ضاد أخلاقي وقتي نستبيح بعدها كل ما توقفنا عنه في رمضان كي لا نخدش أنفسنا ولا نخدش قدسية الشهر الكريم. حقوق الناس لا علاقة لها بالوقت ولا بالمواقيت. والجريمة والجنح لا علاقة لهم بشهر دون غيره.