لا شك أن المرء منا يتحول في هذا الشهر المبارك إلى حالة تختلف عما كان عليه قبل قدوم رمضان، ولا عيب في ذلك وكلنا يلحظ هذا التحول ولا يخفى على أحد، فإذا دخلت مسجداً رأيته يعُجُّ بالذاكرين والمصلين والقارئين للقرآن، ألسنا في شهر القرآن، وربما وجدت أناساً لا يفتحون كتاب الله تعالى إلا في هذا الشهر الفضيل. وإذا سرت في الأسواق، وجدت حالة من الهدوء والسكينة تلُفُّ الناس، وتسيطر على سلوكياتهم، يتعانقون، ويتبادلون التهاني والتبريكات، أما عن السخاء والكرم، فحدث ولا حرج، الناس تتدافع وتتنافس في فعل الخيرات، وتقديم الطعام والشراب، للمحتاجين وغير المحتاجين، فالواحد منا يشعر بلذة لا تعادلها لذة، وهو يُقدِّم ولو كوباً من الماء، أو بعض تمرات لجائع أو عطشان . ربما المظهر السلبي المزعج في رمضان، هو ذلك الكسل الذي ينتاب البعض، فلا ينجزون أعمالهم التي يأخذون عليها رواتبهم، وهذا الصنف من البشر، قد قضى ليله أمام الفضائيات أو ملاهي الدنيا الأخرى، وربما قصَّرَ في عبادةٍ وقيامِ ليلٍ . ما عدا ذلك، نحن في شهر رمضان نعيش حالة «شبه ملائكية»، تتناسب مع الجو الروحاني الذي يسود خلال هذا الشهر الفضيل . لكن، يغيب عن الكثيرين منا، أن الله تعالى الذي أكرمنا برمضان، وأكرم رمضان بنزول القرآن، هو ذاته رب ما قبل رمضان وما بعده، وأن عبادته جل شأنه واجبة في كل وقت وحين، فليس في ديننا ما يفيد بأن نتقرب إليه بشتى القرُبات في رمضان، ثم إذا ما جاء هلال شوال، تحولنا إلى وضع آخر، قد يصل فيه البعض والعياذ بالله إلى «شبه شيطان»، يعبث في الأرض فساداً، لا يصوم من الشهور يوماً، وقد لا يصلي على الإطلاق، أو لا يواظب على الصلوات في المساجد، وربما لا يفكر يوماً في قراءة «قصار السور» من القرآن، ناهيك عما ينتاب السلوك من انحراف، والأخلاق من زيغ وضلال. أنا على يقين من أننا جميعاً نلحظ أحوالنا في رمضان، بل ونعجب بما نحن عليه من سلوكيات، كما أنني على يقين من أن كثيرين منا لم يسألوا أنفسهم، لماذا لا نكون هكذا في سائر شهور العام ؟! من صحفنا خلال هذا الشهر، ونأتي بأحد أعدادها من شهر مضى، سنجد فارقاً كبيراً لا يخفى على أحد . لماذا لا نكون «رمضانيين» خلال العام كله، والشهور كلها قد خلقها الله تعالى مع بدء الخليقة؟.. فهل نعبد الشهور، أم رب الشهور؟.. وهل على المرء أن يتحلى بالخُلق الكريم شهراً، وينقلب على عقبيه أحد عشر شهراً ؟ إن تلك الأخلاق، والسلوكيات الطيبة التي نكون عليها في شهر رمضان، هي التي أمرنا الله تعالى، وحثنا رسوله صلى الله عليه وسلم أن نكون عليها في كل وقت وحين، فلماذا نطبقها شهراً واحداً، ونغفل عنها بقية الشهور؟ تلك الخواطر لاحت لي وأنا أتأمل الناس في الطرقات، وتلك التساؤلات طرحتها لنفسي قبل أن أطرحها عليك أخي القارئ، لكني نويت أن أسعى للحفاظ عليها بقدر الإمكان على نحو دائم . ورمضان كريم . [email protected]