أنس زاهد - المدينة أختلفُ مع الإعلامي المجتهد أحمد الشقيري حول الصورة الوردية التي قدّمها عن اليابان. الشقيري قدّم اليابان ليس بصفتها بلدًا فقط، وإنّما بصفتها مشروعًا حضاريًّا بديلاً عن المشروع الغربي، مستشهدًا على ذلك بتمسّك اليابانيين بهويتهم. وهذا مجرد رأي، وليس مسلّمة من المسلّمات، أو حقيقة علمية كما حاول الشقيري أن يوحي لنا. نعم.. لقد حافظ اليابانيون على بعض مظاهر الهوية، أو بعض سمات الشخصية القومية، مثل الدأب الشديد، والنظام، وروح التعاون، وتقديس قيمة العمل. لكن كل ذلك تم تجييره لدعم النظام الرأسمالي. وهكذا فإن اليابان نجحت وتفوقت حسب المعايير الغربية، ولم تنجح في قلب هذه المعايير، أو حتّى في تعديلها. المجتمع الياباني نجح كمجتمع صناعي، ومنتج للمواد الاستهلاكية، لكنه فشل في التصدّي للظواهر المرضية الخطيرة التي أصبحت متغلغة داخله بشكل يثير القلق. ظاهرة ارتفاع معدلات الانتحار في اليابان مثلاً هي ظاهرة مرعبة بكل المقاييس، وهي ظاهرة تدل على وجود خلل لا يعادله خلل في البناء النفسي للفرد والمجتمع. ولو كان الأمر غير ذلك لما سجّل اليابانيون واحدًا من أكبر معدلات الانتحار في العالم، حيث تشير الإحصاءات إلى تسجيل أكثر من 30 ألف حالة انتحار سنويًّا في البلاد على مدار العقد الأخير. أمّا في العام الماضي فقد شهد معدل الانتحار ازديادًا كبيرًا، حيث تجاوز حاجز ال 33 ألف حالة. القضية أكبر من افتراش الأرض عند النوم، والانحناء عند التحية. قضية الهوية أكبر من ذلك بكثير.