د . عبدالله مرعي بن محفوظ - المدينة صاحب كتاب ( لا تحزن ) قادر أن يطفئ غضب الكتاب وغيرة الدعوية ، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بتمجيد سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، والداعية لديه من الأدوات الدينية والاجتماعية التي تجعل من محبيه يستمتعون بأسلوب مقارعته للمنتقدين المتحفّزين للانتقاد فقط. لقد جسّد العمل الإنشادي بين الداعية الإسلامي المعروف الدكتور عائض القرني وفنان العرب محمد عبده ، أهمّ المطالب الأساسية التي تقوم عليها الحياة الإنسانية المبنية على التواصل مع مختلف شرائح المجتمع الفكرية، والتي تؤكد بأن الحياة مبنية على التعاون المشترك بما يضمن خدمة الإنسانية أجمع. أما الهجوم الشديد الذي واجه الدكتور عائض القرني (وحده) دون الطرف الآخر محمد عبده، فيوضح بجلاء عودة الصراع الحداثي القديم الذي نشب في الثمانينات الميلادية بين النخب الدينية بقيادة عوض القرني والنخب الثقافية بقيادة الدكتور عبدالله الغذامي ، فالهجوم وبحسب ما أطلعت عليه من مقالات يجعلني أصنفها لثلاثة تيارات: الأول يحاول تصفية خلافات الحداثة السابقة وتحوير النقد للأشخاص بدلاً من العمل، والثاني يحاول جاهداً تأكيد فكرة التعاون بين التيارين عن طريق نقد بنية العمل الفنية دون التعرض لأشخاص العمل، والأخير من داخل التيار المحافظ يحاول إجهاض العمل من ناحية دينية والذي أتى كما أحسبه من باب الغيرة كون الدكتور عائض كان جريئاً في تعاونه مع محمد عبده. ولعل العلاقة الملتهبة منذ سنوات عادت مع جرأة الدكتور عائض حين قدم نشيد (الباري) في تمجيد الذات الإلهية إلى فنان العرب مستغلاً (بذكاء) جماهيرية الأخير، ليكون الامتداد ضمن العمل الدولي الذي أطلق لنصرة الرسول محمد – صلى الله عليه وسلم - بعد الهجمات الفجة التي قادتها صحف دنمركية لاقت استهجان المسلمين، إضافة للتحديات التي يواجهها المسلمون في كثير من دول أوروبا وأمريكا، وهذا الأمر نفسه الذي دفع بالفنان محمد عبده لقبول هذا العمل الإنشادي. وهنا فان الناقد المجهض للعمل من باب الغيرة المحضة وكذلك الناقد الذي يحاول تصفية خلافات حقبة زمنية من خلال المقالات الشخصية تناسوا باستعجالهم قيمة الرسالة القوية سواءً من خلال تعاون تيارين كانا في الماضي يوصفان ب(الثقلان)، والسؤال الذي يتبادر لذهن الإنسان المحايد، لماذا نقف ضد العمل ونختلف حوله لأغراض شخصية ونترك مقدار الإبداع في النص والأداء والمعاني في رسالته الدينية والإنسانية؟ لذلك فمن الواضح أن الآراء المتضاربة حول العمل المشترك بين الداعية والفنان بدأت تتزايد عبر (الانترنت) لأن خلفها جهة تحارب الموضوع أكثر مما تحارب الدكتور عائض القرني، وتبعها في ذلك بعض أقلام الرأي في وسائل الإعلام التي لا تتسم بالمنهجية في الطرح، والبعض الآخر يستند على الرفض دون مبررات منهجية. ولعل الوصف الأقرب للحملة والهجوم عبر الانترنت ما قاله الدكتور عمار بكار المتخصص في الإعلام الإلكتروني: «نسمع عبر المواقع والمنتديات الإلكترونية الكثير من الأصوات، فمنها أصوات جادة وأخرى هزلية، ومنها الغاضب والآخر الهادئ، بعضها ذكي وأخرى في منتهى الغباء والحماقة»؛ والأصوات هنا هي استعارة لغوية لما يكتبه الأفراد على الإنترنت من خلال المنتديات والمدونات والصفحات الشخصية والمواقع الاجتماعية كالفيس بوك والمجموعات البريدية وغرف الدردشة وغرف البالتوك وغيرها، واتساقاً مع مفهوم الأصوات على الانترنت؛ هناك مفهوم آخر أحب أن أقدمه هنا هو (الصراخ الإلكتروني)، لأن الصراخ بطبيعته يدفع الشخص لتضخيم ذاته وما يؤمن به على حساب الآخرين، متناسيا تماما قول السلف «أنا على حق وقد أكون على خطأ، وخصمي على خطأ وقد يكون على حق» أو قول الآخر «إن الحقيقة المطلقة غير موجودة» وهذا الوصف يوضح لنا أن هناك جهة تريد إحداث ضجة ضخمة للفت الأنظار، ويستخدمون تكتيكات وأساليب عاطفية ونفسية تجعل القارئ محصورا في دائرتهم، منشغلا عن الاستماع للأصوات الأخرى. على العموم إن المكسب الجميل في هذا التعاون هو إحياء الصفحات والملاحق الثقافية في الصحف السعودية التي ظلت في سبات عميق منذ أكثر من عقد من الزمن، والتي كانت الحداثة والحداثيون والمحافظون أحد أهم سمات وأركان الصفحات الثقافية، لهذا فوتيرة الشد والجذب حول العمل الإنشادي بين الداعية والفنان ستصل ذروتها بين المثقفين الجادين عبر الصفحات الثقافية وسنسمع ونقرأ باسم الصحافي الثقافي وأسماء صحافيين ثقافيين كبارا وعلى أقل تقدير خلال الستة شهور المقبلة، وكما قال الكاتب السعودي ناصر الصرامي «هذا العمل خلق إثارة جميلة وتدل على التركيبة المميزة والملفتة». ظل الدكتور عائض القرني الداعية الإسلامي المعروف مثار جدل دائم في السعودية على وجه الخصوص والعالم الإسلامي على وجه العموم، ابتداءً من إعلان اعتزاله الوسط الدعوي بعد كتابته قصيدة شعرية فُهِم منها إعلان للاعتزال ثم ما لبث أن عاد من جديد بقوة، وواصل الدكتور عائض بطرح آرائه الجريئة عبر مقالاته الصحافية والآن لم يجد المختلفون معه شخصياً موضوعاً إلا حين انتقص من شاعريتهم حين قال « إن نقاده لا يفهمون الشعر مثل بائعة الفصفص» ، فاستطاع تحويل الجدال إلى السخرية، وهكذا استطاع الداعية ان يسوق الكتاب من تيار إلى آخر ، وكأن لسان حاله يقول: إنني قادر على صنع إثارة جميلة وسط حوار وجدل أدبي راقٍ بعيداً عن الشخصنة. ختاماً : إن صاحب كتاب (لا تحزن) قادر أن يطفئ غضب الكتاب وغيرة الدعوية ، خاصة اذا كان الأمر يتعلق بتمجيد سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، والداعية لديه من الأدوات الدينية والاجتماعية التي تجعل من محبيه يستمتعون بأسلوب مقارعته للمنتقدين المتحفّزين للانتقاد فقط.