عندما تناهى إلى مسامعي خبر قيام الفنان محمد عبده بأداء قصيدة (لا إله إلا الله) للشيخ عايض القرني، انتابني القلق خوفًا من فشل مشروع يتقاسم تنفيذه قطبان مبدعان كل في مجاله، وكنت حريصا على سمعة الشيخ القرني من فشل مشروع كهذا.. بعد النجاحات التي حققها في كل حقل تطرق إليه في مجالات الدعوة والتأليف وغيرها من مجالات الخير، لكني بعد أن سمعت القصيدة بصوت الفنان محمد عبده، أدركت أن الفشل يهرب من المبدعين بعيدا، وزادت ثقتي بنجاح هذا المشروع عندما سمعت بعض أطفال الأسرة يرددون بعض كلمات القصيدة، كما وردت في لحن محمد عبده، وهو أمر لم يخطر لي على بال، وغاية المنى لكل مبدع أن يصل إبداعه إلى كل الناس.. صغارا وكبارا، وقد اكتسبت القصيدة قطاعين كبيرين هما محبو الشيخ القرني المتابعين لبرامجه ومؤلفاته، ومحبو محمد عبده المتابعين لإنتاجه الفني، ومع هؤلاء وهؤلاء.. كل من سمع القصيدة وأعجب بها. ولا غرابة في أن تتباين المواقف حول هذا المشروع، بين مؤيد ومعارض، بناء على اختلاف الآراء والأمزجة والمواقف، وذلك لا يدعو إلى القلق، ولا يبعث على الاستياء، وقبول الرأي الآخر ومناقشته دون انفعال سلبي هو قمة الوعي. لست بصدد تحليل القصيدة من الناحية الفنية، فكل صاحب ذائقة شعرية وفنية سوف يستمع إليها بطريقته الخاصة وفقا لمستوى ثقافته، ولكني بصدد التأكيد على أن الإنشاد الديني يمكن أن يقوم برسالة جليلة في تقريب مقاصد الدين الحنيف وغاياته النبيلة، وهو أسلوب يمكن توظيفه للدعوة إلى جانب الأساليب الأخرى المتعارف عليها، بل أكاد أزعم أن الإنشاد قد يصل إلى القلوب ويسهل حفظ نصوصه أكثر من الأساليب التقليدية التي تعتمد على الإلقاء المباشر، خاصة لدى فئة الشباب الذين لا نزال نتوسم فيهم الخير، رغم الحصار الذي يحيط بهم.. حافلا بكل هزيل، ومنافيا لكل فن هادف، والكلمة الملحنة والمؤداة بصوت جميل، تدخل إلى القلوب وتتوغل في مسارب الوجدان لتستقر في الذاكرة ويسهل حفظها دون عنت أو صعوبة، بينما الكلام المرسل لا يستقر في الذاكرة منه إذا استقر إلا المعنى العام، والاحتفاظ بالكلمة والمعنى أكثر تأثيرا من الاحتفاظ بالمعنى فقط. القصائد الملحّنة تلقى قبولا لدى المتلقي أكثر من القصائد المقروءة، ولي تجربة في هذا المجال عندما اختار أحد الإخوة إحدى قصائدي ليسجلها مع قصائد أخرى ظهرت في شريط بعنوان (غايتي) وأكدت أن قصيدة واحدة يمكن أن تؤدي دور ديوان إذا تم إنشادها بصوت جميل، وهذا هو الاستغلال الأجدى لتقنيات العصر وتسخيرها لخدمة الدين الحنيف، على أيدي من اكتسبوا عن جدارة ثقة الناس، أمثال الشيخ عايض القرني، وكوكبة من علمائنا الأفاضل الذين نذروا أنفسهم للدعوة لهذا الدين الحنيف.