مع دخول شهر رمضان وفي أحد الأيام الماضية توقفت عند أحد المساجد للوضوء وبرغم فخامة المسجد وحداثة بنائه إلا أن دورات المياه فيه لا تشجع أي عابر للتوقف والوضوء! المشكلة القديمة الحديثة في مجتمعنا التي وبرغم الملايين التي ننفقها في بناء المساجد والآلاف التي ندفعها لصيانة الميكروفونات والتقدم والحداثة التي نزعمها لأنفسنا ومجتمعنا، إلا أن الخدمات العامة لا تزال في الحضيض وليس هناك أي مؤشر توعوي يصب في هذا الاتجاه! لن أتحدث عن الحدائق العامة ولا عن ملحقاتها ولا عن المحطات الخدمية الباصات والاستيشنات بل سوف أركز على موضوع دورات المياه في المساجد، فكوننا مجتمعا متدينا نفتخر ونتشبث بهذا الوصف إلا أنه يجب أن ينعكس على حياتنا اليومية وفي أقرب البقاع وأحبها إلى خالقنا. فبرغم الخاصية لمجتمعنا في حملات (خليها) لم نسمع مرة واحدة قامت فيها حملة تقول (خليها نظيفة).. خلِّ دورات المياه نظيفة حملة ذات مدلول حضاري وشرعي، فالمساجد هي بيوت الله ونظافتها ونظافة ملاحقها مظنة الأجر، ناهيك عن التربية المجتمعية والانعكاس الحضاري لأي مجتمع من خلال مرافقه العامة. الغريب أني أعتقد أننا حالة فريدة في العالم فيما يتعلق بدورات مياه المساجد، فقد زرت دولاً إفريقية فقيرة كزيمبابوي وموزمبيق وملاوي التي وبرغم فقرها وتخلفها إلا أنك إذا دخلت مساجدها ودورات مياهها تتعجب من العناية النابعة من ذات كل فرد تجاه المسجد ناهيك عن دول آسيا وأوروبا بل حتى دول الخليج اللصيقة بنا وعنايتها الفائقة بالمساجد ودورات المياه، المشكلة التي نعاني منها في المملكة مع المساجد تحدث عنها الكثير وحملت مسؤوليتها بالدرجة الأولى إلى وزارة الشؤون الإسلامية كونها الجهة المعنية وهذا صحيح بلا شك، إلا أن الوزارة ترد بأنها معنية بتوفير وظيفة فراش لكل مسجد يُعنى بنظافته، لكن كل مسجد مسؤول بمتابعة هذا الشخص المسؤول عن نظافة المسجد! والحقيقة أنه لا الفراش قام بواجبه ولا الوزارة أوجدت البديل. فأبو عبدالله فراش مسجدنا القديم قبل عشرين سنة كبير في السن تجده كل يوم مشمراً عن ثوبه بعد العصر وأحيانا بعد الفجر ليقوم بغسل دورات المياه بيده يؤدي مهمته بحب عجيب، تذكرت بعدها حديث أم محجن التي كانت تقم المسجد، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- في قصة المرأة: فسأل عنها النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فقالوا: ماتت. فقال: أفلا كنتم آذنتموني. فكأنهم صَغَّرُوا أمرها؛ فقال: دلوني على قبرها، فدلوه على قبرها، فصلى عليها وفي رواية: كانت امرأة بالمدينة تقم المسجد فماتت، فلم يعلم النبي صلى الله عليه وسلم، فمر على قبرها، فقال: ما هذا القبر؟ فقالوا: أم محجن، قال: التي كانت تقم المسجد؟ قالوا: نعم، فصف الناس فصلى عليها. ثم قال: أي العمل وجدت أفضل؟ قالوا: يا رسول الله: أتسمع! قال: ما أنتم بأسمع منها، فذكر أنها أجابته: قم المسجد. اثنان وسبعون ألف مسجد في المملكة بحاجة إلى إعادة ترتيب أوضاعها فيما يتعلق بدورات المياه، فإما أن يؤسس في كل مسجد لجنة أهلية تكون مسؤولة بشكل مباشر عن نظافته وصيانته أو تتم إعادة دراسة موضوع الوظيفة في وزارة الشؤون الإسلامية من وظيفة فردية بمسمى فراش إلى مناقصة عامة حكومية يرفع أهل الحي مع إمام المسجد تقريرهم الدوري عنها. الغريب أننا ننفق ملايين الريالات على التشييد ونعجز عن بذل ريالات للنظافة أو أن نقوم بحملة مكثفة للتوعية بهذا الأمر. على الفيس بوك شاهدت جهدا جميلا بعنوان مسلسل لوجه الله يقوم فيه مجموعة من الشباب كل يوم بعمل رمضاني لوجه الله وكان منها تنظيف إحدى دورات المياه في أحد المساجد، مبادرة يشكرون عليها ونحتاج إلى تفعيل أكبر بحملات ذات مردود على المجتمع بشكل إيجابي وليست حملات تجارية أو دعائية.