لم أكن بحاجة لاستثارة الألم في نفسي، لأنه يعاودني وأجده حاضرا كلما قرأت أو سمعت عن أمور تخص صحة المواطن أو تمس شموخ الوطن. ولقد عاودني هذا الألم حين علمت بقيام مدينة الملك فهد الطبية في الرياض بإتلاف ما يزيد على 23 (طلبية) من الأدوية منتهية الصلاحية بما يساوي 20 طناً. وكلفت المدينة الطبية شركة متخصصة مرتبطة معها بعقد للتشغيل والصيانة بالتخلص من النفايات الطبية الخطرة وإتلاف هذه الكمية من الأدوية ب 500 ألف ريال. أي نصف مليون ريال، حيث تم نقل الأدوية المنتهية الصلاحية من مستودع مدينة الملك فهد الطبية لإكمال عملية إتلافها. وما يزيد الألم حتى الغصة هو أن القيمة المالية للكمية المتلفة تقارب 40 مليون ريال. بحسب ما ذكره متخصصون في مجال الأدوية لجريدة اليوم. وحين قرأت الخبر تذكرت مقالا كتبته بعنوان (وزارة الصحة وقرارات معطلة) استعطفت من خلاله الوزارة بالنظر في ارتفاع أسعار الأدوية وضرورة توفيرها وتخفيض أسعارها للمواطنين، وبالذات المحتاجين منهم، لا سيما أدوية القلب والصرع والسكر. إلا أنه رغم الدعم الحكومي، فإن قرارات التخفيض لم يجر العمل بها أو تجاهلها تجار الأدوية بسبب ضعف المراقبة والمتابعة، وبطء الإجراءات. والحقيقة أنها لا تعدو كونها تفريطا في الأمانة التي أوكلتها الدولة للمسؤولين ممن نالوا ثقتها، إضافة للتخلي عن المسؤولية التي أنيطت بهم ورضوا بها. وبعد نشر المقال تفضلت الوزارة ممثلة بالإدارة العامة للتموين الطبي بإرسال خطاب يوضح جهود الوزارة مرفقا معه نماذج من التخفيضات الحقيقية، حيث تكرمتْ على المرضى بخصم من ثلاثة إلى تسعة ريالات من قيمة الدواء الذي يقارب سعره المئتي ريال، وأصبت بعدها بالإحباط من نسبة التخفيض! وما زلت أحمِّل الوزارة الألم النفسي الذي تسببت به آنذاك إضافة إلى نشر خبر الإتلاف المؤذي للمشاعر. وكنت أتمنى لو قامت بإتلاف الأدوية بصمت ودون تشهير إعلامي أي (سُكِّيتي). وبعيدا عن جرح مشاعر المواطنين الذين أجزم أنهم تأذوا منه وحنقوا على إدارة التموين الطبي التي تكدس الأدوية حتى انتهاء صلاحيتها برغم حاجة المواطنين الماسة لها، وتنصل معظم المستشفيات الحكومية والمراكز الصحية عن صرف أغلب الأدوية الضرورية، ولا يجد الأطباء غضاضة من توجيه المريض لشرائها من الصيدليات بحجة عدم وجودها في مستودعات الوزارة. وقد يرد مسؤول بقوله: (احمدوا ربكم أن تلك الأدوية قد أتلفت ولم يعبث بها أو يعمد أحد ضعاف النفوس لتغيير تاريخ صلاحيتها) وأقول نعم، لو كانت فوق الحاجة، ولكن المواطن أولى بها قبل الإتلاف. فكم من مريض فقير أو محتاج قد وقف أمام صيدلية يعدُّ نقوده ويجمعها من جيوبه ومحفظته المهترئة ليحضر علاجا له أو لأحد أبنائه! وهو يعيش في كنف وطن شامخ ذي اقتصاد متين. أين يكمن الخلل في الوزارة ونحن نسمع عن شهادات مزورة لأطباء، وأخطاء طبية هائلة، ونقص في أسرَّة المرضى؟ وهناك مريض يعاني وعائلة تقاسي في وطن ينشد المعالي!!