الانتخابات الرئاسية الإيرانية مهمة ولافتة من دون أدنى شك، فهي انتخابات من شأنها أن تغير كثيرا من وجه إيران على الصعيدين الداخلي والخارجي؛ لذلك حظيت بكل هذا الاهتمام السياسي والإعلامي منقطع النظير، وعلى المستوى العربي كان الاهتمام كبيرا وانعكس على حجم التغطية الإعلامية والوفود الصحافية التي تم ابتعاثها إلى طهران لتغطية الحدث. فوز الرئيس الإيراني الحالي أحمدي نجاد والتجديد له فترة رئاسية ثانية جاء مخيبا لآمال الكثيرين، ومنهم حشد كبير من العرب الذين تابعوا هذا الحدث باهتمام خاص. الأوساط السياسية الغربية والأميركية على وجه الخصوص رأت أنه من الواجب على الناخب الإيراني رد التحية على اختيار باراك أوباما رئيسا للولايات المتحدة بإسقاط أحمدي نجاد، في تصوير سيئ ومغلوط للرئيس الإيراني على أنه شريك لجورج بوش في جرائمه وفظائعه التي ارتكبها في فترتين رئاسيتين! وهذا غير صحيح بالمرة. حدث خلط «متعمد» على ما يبدو بين كون أحمدي نجاد محافظا متشددا في القضايا الداخلية وسياسياً صلباً فيما يتعلق بالملف النووي لبلاده وداعيا لمكانة إقليمية لإيران تليق بحجمها وقوتها، وبين كونه علامة بارزة ترقى إلى مستوى الشريك في الاحتقان الإقليمي الناشئ عن سياسات الرئيس الأميركي السابق! من هنا كان التمني أن يأتي صوت الناخب الإيراني معبراً عن الرغبة الأميركية والأوروبية، وبدرجة ما تعبيراً عن رغبة بعض الليبراليين العرب المتعاطفين مع المرأة الإيرانية وتحررها من «الشادور»! نسي هؤلاء أن هذا الناخب سيصوِّت لما يريده هو لا ما يتمناه غير الإيرانيين، وانطلقت إثر ذلك حملات الترويج للسيد حسين مير موسوي في وسائل الإعلام الغربية والعربية بشكل لافت، ورغم إدراك الجميع حجم الصلاحيات المحدودة للرئيس الإيراني في قضايا الأمن القومي وما يتبعها، وأن كل شيء بيد المرشد الأعلى المحافظ الأكبر والأكثر تشددا، فإن رغبة علنية باختفاء أحمدي نجاد من المشهد السياسي كانت واضحة وضوح الشمس، وحشدت لها وسائل إعلام معينة بشكل لا يخفى على المراقب في أثناء تغطيتها هذا الحدث، فما الذي كانت تريده من سقوط أحمدي نجاد ما دامت المواقف الرئيسة لإيران لن تتغير؟ ربما كان المطلوب هو هدم هذه الصورة المستفزة لإيران، شعب يقف خلف قيادة قوية متماسكة تناهض السياسات الأميركية في المنطقة، ومستعدة لعقد كل التسويات والصفقات التي لا تتناقض مع مصالحها، شعب ونظام يسعيان لمصالحهما بامتياز، وهذه المصالح التقت مع قضايا المتضررين من أميركا في المنطقة، من سوريا إلى حركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية وحزب الله في لبنان، وشكلت جبهة تناوئ أميركا وإسرائيل. ظن هؤلاء أن خطاب أوباما الدعائي وحملته «الإعلانية» كافيان لدفع الناخب الإيراني للتخلي عن حلمه الوطني، وتخيلوه مسلوب الإرادة همه الوحيد السينما ونزع الشادور ومنح الشواذ جنسيا حق التزاوج العلني! تناسوا أن قوة حقيقية بدأت تنمو وتكبر وأن عليهم دعمها ورعايتها والوقوف مع القائمين عليها، وهذا ما حدث فعلاً بالأمس، والسؤال المطروح: هل يقف الواحد منا إلى صف أحمدي نجاد؟ بالتأكيد لا، فنجاحه وقوته له ولبلاده ومواطنيه، لكنه نموذج يُحتذى به في استفزازنا ودفع دولنا وقياداتنا لإعادة النظر في كل ما يجري حولنا، وربما تمثل هذه الصفعة النجادية للأميركيين والمتأمركين فرصة حقيقية لفهم منطق القوة والكرامة والمنعة، كونها السبيل الوحيد لبناء الأوطان الحقيقية وليس أوطان الورق!