يقشعر بدني كلما قرأت الخطاب الرباني في حادثة الإفك، وما حملته من فصول نزلت في سياق تربوي للمجتمع المسلم، محذرة من الخوض في الأعراض وتتبع العورات وقذف الآخرين دون بينة أو استدلال. السؤال المزعج الذي يجب مواجهته بكل حزم: لماذا غدت «الفضيحة» غاية نفتش عنها؟، وأصبح بحر الإنترنت يغص بمنتديات ومقاطع وصور تحت عبارة دلالية واحدة تكشف الستر وتسير بها الركبان ظفرا بأن فلانا فضح أمره، لتغدو ذاتنا الاجتماعية باحثة عن المحفزات السلبية التي تشد الانتباه عن معالي القضايا لإسفافها، وتكون فاكهة مجالسنا وجلسات سمرنا وحتى جوالاتنا وبريدنا الألكتروني محركها الوحيد:«شفت فلان وش سوى»، وكأن قيمة الستر تتلاشى وتنعزل مستقرة في كتب نقرأها منذ الصغر ونضرب بها عرض الحائط في تطبيقاتنا إذ لا واقع لها في تعاملاتنا اليومية. أحد أشهر المواقع البحثية خرج بأكثر من 14 مليون و400 ألف نتيجة بحثية تحت عبارة «فضيحة» في المواقع السعودية، وكأن «اللقافة» جين مترسخ في ثقافتنا يجعلنا نطبق باحترافية «الفاضي يعمل قاضي» فكلنا قضاة نحاكم الآخرين بمجرد السماع أو المشاهدة التي تشبع فضولنا وغريزة تتبع العورات في عقولنا، ونتناسى الأدب الرباني المنزل في حادثة هزت المجتمع المسلم آنذاك: إذ تلقونه بألسنتكم، وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم، وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم. هل من صحوة اجتماعية تستوعب أن الفضح حيلة العاجزين، ومن طاله الأذى ليكن سلوانه: لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم. في السياسة جمال يكمن في اختبار طول النفس والصبر والتفكير بعمق وحنكة، إذ من السهل على السياسي أن يحشد مئات الآلاف من الجماهير في مكان واحد وينصت لهتافاتهم وشعاراتهم، ويسجل حضوره بكل نشوة أمام نصر مؤقت يأخذ بألباب الجماهير المؤيدة التي ترفع عقيرتها مع كل ملمح نصر، وتضغط على الخصم المقابل بمغامرات صبيانية أو تستحثه ببعض التصرفات لإبداء ردة فعله، ومع نشوة الانتصار وقبل أن تطلق صافرة النهاية وتشتبك الدموع في العيون تبيانا لمن بكى ممن تباكى يأتي الرد المعلن بأن العبرة ليست في المهاترات أو الانتصارات المزعومة وهتافات الجماهير وإنما في النهايات التي تشرح طول صبر الآخرين وتفكيرهم العميق وتساميهم عن المهاترات لتكون النتيجة: انتصر الخصم، وسبقت الخيل المضمرة! [email protected]