“العمير”.. هل كان يتنبأ باختفاء الصحافة الورقية؟! حسن ناصر الظاهري - المدينة أجمع ممثلو أكثر من 50 دولة خلال مؤتمر عُقد في العاصمة الهولندية «أمستردام» على أن الصحافة المطبوعة في طريقها نحو الاضمحلال، والتقوقع، والانسحاب من ساحة المنافسة في غضون سنوات قليلة أمام الصحافة الإلكترونية التي تخوض المعركة بقوة استطاعت فيها الإمساك بزمام المبادرة للعبة الإعلام حول العالم. ولا بدَ لي من أن أتفق مع الذين يرون «بأنَ الصحافة الإلكترونية مكملةٌ لدور الصحافة الورقية، وليس هناك صراعٌ بينهما، إلاَّ أن التمويل أصبح الآن من أهم آليات نجاح تلك الصحف في شكلها الحديث الذي ينعكس بالتالي على شكل وآراء الموقع من حيث تنوّع أخباره، وتحديثها بين الحين والآخر.. «إذ إنَ ثقافة (الإنترنت) أصبح لها جماهيرها، وشعبيتها، وهم في ازدياد مطّرد، على العكس من قراءة الصحف» (مجلة العالم الرقمي العدد 142). فالصحافة الإلكترونية تعمل على حدوث تفاعل مباشر بين القارئ والكاتب، بحيث يمكنهما أن يلتقيا في نفس اللحظة معًا، وتمكّن المشاركين من إبداء ملاحظاتهم، وتدوين تعليقاتهم على المواضيع التي يتم نشرها في نفس اليوم. بعض الباحثين أكدوا من خلال دراسات قاموا بها، بأنَّ الصحافة الورقية في طريقها نحو الزوال نهائيًّا خلال العام 2020م، مستشهدين على ذلك، بفقدان الصحافة -على مستوى العالم- لفئة الشباب الذين جذبتهم الصحافة الإلكترونية، وهذه البحوث أو الدراسات بالطبع تمّت قبل حدوث الانتكاسة الاقتصادية التي اجتاحت العالم، وأجبرت الكثير من وسائل الإعلام العالمية على قفل أبوابها، وظل بعضها يصارع حتى آخر رمق ليس من أجل الخروج من الخسارة إلى الربح، بل لدفع الديون، مثل صحيفة (تربيون شيكاغو). وكنت -في السابق- كغيري، غير مؤمن بالصحافة الإلكترونية، ولا حتى بالمستقبل الذي ينتظرها، وأذكر بالمناسبة أنه عَقب دعوة عشاء دعانا إليها الزميل الأستاذ عثمان العمير «ناشر صحيفة (إيلاف) الإلكترونية»، وكانت الدعوة في (سراييفو)، أذكر أننا استهجنا -إن صح التعبير- مسألة خروجه من رئاسة تحرير الشرق الأوسط، ودخوله تجربة الصحافة الإلكترونية.. ولكنني اليوم -والواقع يفرض نفسه- أُشيد بما وصلت إليه (إيلاف)، وأُحيي فيه شجاعته، وبُعد نظره، وخوضه تلك التجربة أو لنقُل المغامرة بكل قوة، ونجاحه في كسب الرهان، وكثيرًا ما تساءلت فيما بيني وبين نفسي -وأنا أرى انهيار تلك الصروح الإعلامية الكبرى في كل من أوروبا وأمريكا- السؤال التالي: هل كان (العمير) يتنبأ بسقوط الصحافة الورقية، أم أنه غيّر بوصلته للصحافة الإلكترونية من أجل الحفاظ على المجد الذي حققته له الصحافة الورقية عن طريق وسيلة لا تكلّفه الكثير؟! وأيًّا كانت الإجابة، فأنا أعترف بأنه قد وُفّق إلى حدٍ بعيد في صناعة صحيفة إلكترونية ناجحة بكل المقاييس، قد تكون الأولى عربيًّا، اشتد عودها خلال بضع سنوات، تُسابق الخبر، وتُعنى بالمقال، وتنفرد بالحوار، إلاَّ أنني لستُ معه في وصفه للصحافة الورقية بأنها (جنازة تنتظر الدفن)؛ بسبب وقوعها في منافسة شرسة مع الصحافة الإلكترونية، ف(إيلاف)، وكذلك المواقع الأخرى لازالت تستقي الكثير من معلوماتها وأخبارها من الصحافة الورقية، وتستعين بها في إعادة مقالات بعض الكتّاب، كما أرى أن محاولة التوفيق بين الصحافة الورقية والإلكترونية التي تنتهجها الصحف عبر نشر موادها في مواقعها الإلكترونية خطوة رائدة نحو كسب وإرضاء الذين يفضلون القراءة على الشاشة، وفي الاتجاه الصحيح. وأختتم بالدراسة التي أجرتها (ميكروسوفت) التي تقول: «إنّ العالم سيشهد طباعة آخر صحيفة ورقية في عام 2018م على الأقل في الدول المتقدمة»، ولذا فليس من المبالغة أن نتحدث عن إمكانية حدوث توقعات (ميكروسوفت) طالما سارت الأمور على وتيرتها الحالية -كما يقول الباحث السعودي الدكتور فايز الشهري- إذن الأمر يقتضي من الصحافة الورقية أن تتأقلم مع الوضع العالمي الجديد.