من فضلك.. لا تغلق جوالك، فأصدقاؤك وأقاربك يفضلون الاطمئنان عليك برسالة من خلاله، والأخبار العاجلة ستعرفها برسالة، وآخر نكتة ستصل إليك بالوسيلة ذاتها، تماما كأهداف المباريات ومقاطع الفيديو. ومع دخول مواسم الأعراس والمناسبات, بدأت رسائل الجوال في أداء دور جديد, وهو نقل الدعوات إلى الأقارب والأصدقاء، الأمر الذي يمثل راحة للمرسل وتوفيرا لوقته وجهده وماله، لكنه يعدّ - لدى المدعو - نوعا من الاستخفاف أو عدم الاهتمام, حتى إن بعضهم يفضل أن يعتذر عن الحضور, مستخدما الأسلوب نفسه. مثال على ذلك: سارة المطلق (22 عاما) لم تصدق ما رأته عندما نظرت في جهازها الجوال لتقرأ رسالة قصيرة من "أغلى صديقة على قلبها".. الرسالة تضمّنت: "لا تنسي حضور عقد قراني يوم الجمعة الموافق 30 يونيو الساعة التاسعة مساء"، محددة المكان أيضا. سارة حاولت التماس العذر لصديقتها المنهمكة في تجهيزات زفافها، لكنها لم تستطع قبول ما حدث، وراحت تضرب كفا بكف وهي تقول: "هل يعقل أن تتغلغل العولمة في قلوب الأحبة، وتشتت أحبال الصلة بينهم؟ فأنا لا أصدق ما قرأت, وغير مستوعبة لما حدث، فلا بد من خلل حدث لصديقتي العزيزة، أو أن خطأ ما قد جرى". لم تكن تلك الحادثة الوحيدة التي تسبّبت في إحداث خلل في نسيج العلاقات الاجتماعية, فعديد من الرسائل عبر الجوال بدأت تستخدم كأسلوب حديث للدعوات، حتى إن بعضهم أشار إلى أن ولائم الغذاء والعشاء أصبحت عبر الجوال. وبحسب عديد من المواطنين, فإن هذا الأمر "يقلل من السمة التي يمتاز بها السعوديون, وهي التماسك، فالأفضل الالتفات إلى تلك الأساليب التي يعتقد بعضهم أنها توحي بالتقدم والرقي، علما أنها تقلل من احترام الأشخاص بعضهم لبعض". ويعدّ الأخصائي الاجتماعي أسعد جعفر، أن ما يحدث يجفف منابع عديد من العلاقات الاجتماعية، مشيرا إلى أن الأمر "لم يقتصر على الأصدقاء، فهناك كثير من العائلات نشب بينها خلافات على خلفية أساليب الدعوة الإلكترونية، فمنهم من يعدّها تقليلا من شأن الطرف الآخر". ويضيف: "أعتقد أن الأمر فعلا يثير الغضب, وخصوصا إذا كانت الدعوة لعقد قران أو زواج، أو غير ذلك، وأما في حال التهنئة في الأعياد فلا يمكن وضع العتب في الحسبان". وعاد جعفر ليقول: "العولمة أجحفت في حق العلاقات المتينة وراحت تهتك في حبل أوصالها؛ لذا لا بد من إعادة الأوراق لدى الكثيرين، بدلا من أن نصبح نتحدث مع الحاسوب ونجلس معه لنأكل، فالعلاقات الإنسانية كنز يجب ألا نفقده"، مشيرا إلى ضرورة بث الوعي عبر محاضرات توعوية حول تأثيرات الوسائل الإلكترونية التي تحدّ من النشاط الإنساني، وتقلل التواصل الدائم. وختم جعفر كلامه قائلا: "مهما كانت الوسيلة الإلكترونية فهي لا تساوي شيئا إذا كانت ستؤدي إلى فقدان صديق".