بدأ الليبيون صباح السبت، الإدلاء بأصواتهم في أول انتخابات حرة، بعد سقوط نظام العقيد الراحل، معمر القذافي، الذي حكم الدولة العربية لأكثر من 40 عاماً، في خطوة تمهد لحل "المجلس الوطني الانتقالي"، الذي أدار شؤون البلاد منذ الإطاحة بالنظام السابق، وتشكيل أول حكومة ديمقراطية منتخبة في ليبيا. ويختار الناخبون المسجلون في كشوف الانتخابات، والبالغ عددهم حوالي 3.5 مليون ناخب، 200 عضواً في "المؤتمر الوطني العام"، من بين 3500 مرشحاً، موزعين على 27 دائرة انتخابية، بحيث يتم تخصيص 120 مقعداً للمرشحين الأفراد، فيما تخصص المقاعد ال80 الأخرى، للقوائم الحزبية. وقد سجّل أكثر من 80 في المائة من بين 3.5 مليون ليبي يحق له التصويت أنفسهم على قوائم الاقتراع، ومعظمهم سيصوتون لأول مرة في حياتهم، إذ أن الانتخابات الأخيرة التي أجرتها البلاد تعود لعام 1964. وسيكون أمام الهيئات السياسية الليبية الجديدة أن تواجه مجموعة من العراقيل والتحديات، أبرزها إعادة فرض الأمن وحصر السلاح بيد الدولة، بعد انتشاره بين أيادي المجموعات المسلحة التي شاركت بالثورة، إلى جانب إعادة إعمار ما هدمته الحرب وتنشيط الاقتصاد. أما على المستوى السياسي، فسيكون عليها التعامل مع مشاكل عديدة، بينها مطالب بعض التيارات في المناطق الشرقية بإعلان الحكم الذاتي، إلى جانب مناقشة إمكانية التوصل لإطار مصالحة مع القبائل التي كانت ترتبط بالنظام السابق. وتمثل انتخابات السبت، وهي الأولى منذ ما يقرب من 50 عاماً، اختباراً حقيقياً للديمقراطية في ليبيا، بعد الإطاحة بنظام القذافي، الذي أتى إلى السلطة في انقلاب عسكري ضد الملك إدريس الأول، في الأول من سبتمبر/ أيلول عام 1969، ليعلن الجمهورية في ليبيا، بينما كان شاباً دون الثلاثين من عمره. وعشية الانتخابات، اعتبر رئيس المجلس الوطني الانتقالي، مصطفى عبد الجليل، أن الليبيين "مقبلون على عرس انتخابي، سينقل البلاد من المرحلة الانتقالية إلى مرحلة بناء الدولة"، مشدداً على أن "رئيس المجلس، وأعضاءه، جاءوا بالتوافق، وعملوا طيلة الفترة الماضية على تهيئة الأجواء المناسبة لإجراء الانتخابات في موعدها." كما وجه رئيس الحكومة الانتقالية، عبد الرحيم الكيب، كلمة إلى الشعب، قال فيها إن الليبيين "لا يزالون يثبتون كل يوم أنهم قادرون على تخطي الصعاب وتجاوز كل العقبات." وأشاد الكيب بالعرض الذي قدمته بعض المناطق في غربي البلاد بالتنازل عن مقاعدها لصالح مدن المناطق الشرقية التي اعترضت على حصتها في المجلس، فقال:"إنهم الليبيون الذين رغم التحديات فإنهم يبدعون في اتخاذ المواقف الوطنية البطولية على المستوى السياسي اليوم عندما يتنازلون بعضهم لبعض حتى عن حق التمثيل في مؤتمرهم الوطني الجامع إيثارا ورأبا لأي اختلاف وحرصا على إذكاء روح الوحدة." وتابع الكيب بالقول: "ها نحن اليوم نستعد لخوض أول انتخابات منذ زمن طويل .. انتخابات دفع الليبيون من أجل الوصول إليها شهداء ودماء وجرحى ومفقودين.. إننا اليوم نواجه معا تحديات من أنواع جديدة تحديات عنوانها العبور من الثورة إلى الدولة، ومن أهدافها بناء مؤسسات هذه الدولة." وأقر الكيب بصعوبة المرحلة الراهنة قائلاً إن ليبيا "افتقدت مكونات ومؤسسات الدولة العصرية الطبيعية طيلة عهد الظلام (حقبة القذافي) فلا دستور للدولة، ولا هياكل طبيعية تصلح من خلالها ما أفسدته أيدي المخربين، ولا مؤسسات منطقية تُعين المخلصين في مهمتهم على البناء ، ولذلك فنحن نبدأ المشوار من أوله." وأضاف: "هاهي فرصتنا الآن لنؤسس الدولة الليبية الحديثة تأسيسا سليما من خلال المؤتمر الوطني العام ننتخبه انتخابا حرا، ولذلك ينبغي علينا تجنب الولوج للخلاف حول التفاصيل واستباق الأحداث قبل تشكيل هذا المؤتمر إلا ما كان نقاشا صحيا وإثراءً للوعي العام استعدادا لبدء النقاش بعد بدء أعمال المؤتمر الوطني مهامه." وكانت منظمة العفو الدولية "أمنستي" قد حذرت في تقرير لها الأربعاء، القادة الليبيين من تكرار أخطاء معمر القذافي، وإنجاب ديكتاتور جديد للبلاد، وخصوصاً مع اقتراب موعد إجراء انتخابات المؤتمر الوطني العام، والمقرر عقدها السبت. وأكدت المنظمة، في تقريرها، على أنه لابد لأعضاء الحكومة الجديدة، والتي ستفرزهم الانتخابات، وضع ملف تفعيل القانون والعمل به على قائمة الأولويات، وذلك من أجل ضمان وحماية سير الحياة الديمقراطية في البلاد.