بالرغم من قتل وطرد الفلسطينيين من منازلهم ومزارعهم واحتلال أراضيهم بحجة ملكيتها التاريخية لليهود الصهاينة تلك الملكية التي تعود لآلاف السنين، بالرغم من كل ذلك فإن مئات وربما الآلاف من هؤلاء الصهاينة يتوافدون على بولندا أو ما جاورها منذ أكثر من عقدين تقريبا للمطالبة بمنازلهم وأراضيهم التي هجروها في القرن الماضي تمهيدا لقيام إسرائيل في فلسطين أو تم طردهم منها إبان الحرب العالمية الثانية بسبب ملاحقة هتلر لهم، فالمحاكم البولندية تشهد عددا من من الدعاوى القضائية المرفوعة من قبل إسرائليين يطالبون بملكيتهم لبيوت وعقارات البولنديين، حيث تعود تلك العقارات إلى أجدادهم بحسب تلك الدعاوى. وقد حدثنا أستاذا جامعيا في بريطانيا عن قصة حصلت له قبل 15 سنة تقريبا خلال زيارته لمدينة كراكوف في جنوب بولندا كونها مسقط رأس البابا السابق وتعد مدينة مقدسة لكثير من الكاثوليك، يقول هذا الأستاذ لجمع كبير من الطلاب وأنا أحدهم أنه وأثناء تجوله في أسواق وسط المدينة القديمة لكراكوف سأله أحد الباعة عما إن كان يهوديا قادما من إسرائيل، فرد عليه الأستاذ بالنفي وأنه مسيحي من إنجلترا وسأل البائع بدوره لماذا السؤال؟ فقال البائع: إن عددا من اليهود الإسرائليين يتوافدون إلى بولندا للمطالبة بمنازلهم التي تركوها خلال الهجرات إلى إسرائيل في القرن الماضي.
هذه القصة دعتني بدوري إلى طرح هذه السؤال على عدد من البولنديين في مدينة كراكوف خلال زيارتها مؤخرا، حيث كشف عدد من البنولنديين ل "عناوين" عن أن الإسرائليين ما زالوا يرفعون القضايا في المحاكم البولندية مطالبين بمنازل أجدادهم وآبائهم وبعضهم يحمل بعضهم الأوراق والوثائق القديمة التي تثبت ملكية أسلافهم لهذه المنازل والعقارات، بينما البعض الآخر وعندما تضعف حجته أو لا يحمل حجة من الأساس فهو يحمل فزاعة المحرقة النازية ومعاداة السامية لمصادرة حقوق الآخرين.
تقول إيزابيلا وهي موظفة فندق في كراكوف إن أحد أقاربها طرد من بيته بعد أن خسر القضية المرفوعة ضده في المحكمة لصالح يهودي قادم من إسرائيل، حيث أثبت ذلك اليهودي ملكية البيت لجده الذي غادر المدينة مهاجرا إلى فلسطين في النصف الأول من القرن الماضي، وكان من أوائل المهاجرين إلى فلسطينالمحتلة قبل إحتلالها من قبل الصهاينة اليهود في عام 1948م، تقول إيزابيلا إن جميع أعمام وأشقاء قريبها ولدوا في ذلك البيت قبل 65 سنة تقريبا من تاريخ إخلاء البيت، حيث ورثه عن أبيه وأبيه عن جده، وولد فيه أيضا جميع أبنائه وعاش فيه إخوته حتى تم إخلائه قبل عدة سنوات بأمر المحكمة، وتضيف إيزابيلا بأن هناك عددا من الناس الذين تعرفهم ما زالوا يراجعون المحاكم بسبب مثل هذه الدعاوى التي ترفع ضدهم من قبل الإسرائيليين وبدعم من سفارة إسرائيل لمواطنيها على حد قولها.
بينما الشابة دومينيكا والتي تهيم عشقا ببيتها الذي تعيش فيه منذ ولادتها قبل 28عاما ولم تفكر يوما بمغادرته أو بيعه كما تقول، فهي أيضا تواجه دعوى قضائية مرفوعة ضد عائلتها منذ أكثر من سنة في المحكمة، تقول جاء ذلك اليهودي من إسرائيل مطالبا ببيتنا مشيرا إلى أن البيت يعود لجده حسب الوثائق التي ما زال يحتفظ بها، تقول دومينيكا إنها وجميع أفراد عائلتها ولدوا وعاشوا في هذا البيت ويقع في المدينة القديمة لكراكوف حيث التاريخ والذكريات والأصدقاء والأقارب ولا يمكن التخلي عنه لمواطن أجنبي ذهب مسافرا من أجل إنشاء وطن آخر.
تعتقد دومينيكا بأن الجشع والطمع من أوصاف اليهود ولهذا فهو يعودون بالوثائق وبدون وثائق أحيانا للمطالبة بعقارات قديمة يدعون أنها لأسلافهم، حيث أن قيمة العقارات ارتفعت كثيرا خلال السنوات الماضية في بولندا ومدينة كراكوف على وجه الخصوص، حيث ازدهرت السياحة في هذه المدينة العريقة التي تحمل صفحات مهمة من تاريخ الحرب العالمية الثانية من قتل وطرد لليهود واهتمام الرئيس الألماني أدولف هتلر بها شخصيا، وحتى انها مسقط رأس بابا الفاتيكان السابق يوحنا بولس الثاني وتمثل وجهة للزيارة المقدسة أحيانا من قبل الكاثوليك.
وحول ما إن كان اليهود له الحق الكامل في العودة والحصول على ممتلكاتهم بعد أن هاجروا إلى أرض فلسطين واحتلوها خلال الهحرتين الأولى حيث كانوا مخيرين لأسباب دينية وسياسية وفي الثانية مطرودين من قبل هتلر، تقول السيدة أنكا بان هذا صحيحا ولكن العقارات تم تداولها بين الناس منذ أمد بعيد، فقد تم بيعها وشراؤها ثم بيعها وشراؤها مرات عديدة، فكيف يمكن إرجاعها لهم حتى وإن كانت لهم حقا، ولماذا لا يقومون هم بإرجاع بيوت الفلسطينيين للفلسطينيين بعد أن سرقوها عندما آثروها على بيوتهم في بولندا، وتتسائل أنكا مرة أخرى وتقول: كيف يفقدون أموالهم ويقتل ويحرق أجدادهم بحسب تعبيرهم ولا يفقدون تلك الوثائق.
ترى أنكا بأن اليهود دائما ما يستغلون ذكرى المحرقة النازية والتي وقعت بالقرب من مدينة كراكوف وراح ضحيتها آلاف اليهود، يستغلون المحرقة للادعاء والكذب وكسب العواطف والقضايا في المحاكم البولندية.
ويقول ديفيد وهو أستاذ جامعي في مدينة كراكوف إن الإسرائيليين العادئين يجدون أحيانا الدعم والمساندة من قبل الجمعيات والمؤسسات اليهودية في بولندا، لذا فهم يحصلون أحيانا بسهولة على العقارات التي يطالبون بها في المدينة، ويعتقد ديفيد بأن هناك دعما حكوميا في بولندا ولكنه بصورة غير رسمية وغير مصرح به يأتي كنوع من التعويض عما حدث لهم من قتل وتشريد في الحرب العالمية الثانية وهجرتهم إلى إسرائيل حيث يتمسك كثير منهم بقضية المحرقة النازية وقانونها الصارم في أوروبا إضافة إلى قانون معاداة السامية الشدبد أيضا ويرمون بهاذين القانونيين كل من يقف أمام مطالبهم ودعاويهم في المحاكم، وبهذا فهم يحصلون عبر هذا الدعم على البيوت من أصحابها البولنديين مما شجع المئات منهم للعودة والمطالبة بالعقارات طمعا ببيعها مرة أخرى والتكسب من وراءها أو تأجيرها على الشركات السياحية.