في ظل الثورة التكنولوجية التي تشهدها وسائل الإعلام والاتصالات لم يعد المواطن في أي بلد مقيدا بدور المتلقي للانباء.. بل بات بمقدوره أن يكون أحد صانعيها أو محلليها. هذا ما استندت اليه فكرة موقع (تدوينات) الذي أطلقته مجموعة من الشبان في مصر مؤخرا، بهدف تحويل رجل الشارع العادي الى "مواطن صحفي". وذكرت (رويترز) الخميس 7 أكتوبر 2010، أن (تدوينات) ليس أول موقع عربي يقدم خدمة المدونات المجانية لمستخدميه؛ لكنه الاول المتخصص فقط في عالم التدوين، اذ تقدم المواقع العربية الاخرى مثل (جيران) و(مكتوب) خدمات أخرى عديدة الى جانب التدوين. ويتميز (تدوينات) الذي يعمل بنطاقي (دوت كومtadwinat.com) و(دوت نتtadwinat.net) بتوفير خدمة التدوين الصوتي والمرئي، للتسهيل على من لا يمتلكون المقدرة على صياغة ما يدور في أذهانهم بالكلمات المكتوبة. ويتم التدوين بهذه الطريقة من خلال برنامج يتم تحميله من على الموقع مجانا. وقال المتحدث باسم الموقع وأحد مؤسسيه محمود قابل ل (رويترز): "ان (تدوينات) يمثل تأصيلا عمليا لفكرة المواطن الصحفي". وأضاف "كل مواطن أصبح قادرا على أن يوثق ما حوله ويسبق حتى وسائل الاعلام التقليدية بلقطات صورها بالهاتف المحمول أو بكاميرا فيديو أو فوتوغرافية لتكون محتوى اعلاميا ينشر في مدونته على الموقع". وقال قابل ان (تدوينات) الذي يرفع شعار "فضفضة بلا حدود.. ابداع بلا قيود"، أقيم "بتمويل ذاتي من مؤسسيه ولا يهدف الى الربحية". وبلغ عدد المدونات على الموقع حتى الآن 1800 مدونة تقريبا ومسجل عليه نحو 1500 عضو، ويجوز للاعضاء انشاء أكثر من مدونة. وقالت الصحفية المصرية ايمان عبد المنعم وهي صاحبة مدونة على الانترنت ل (رويترز): "أرى أن هذا الموقع سيكون اضافة لدعم حالة الحراك السياسي الذي تشهدها مصر حاليا، والتي تتفاعل معها المدونات بشكل كبير... وأتوقع أن يتزايد نشاط المدونات خلال الانتخابات البرلمانية القادمة والانتخابات الرئاسية التي ستعقبها". وقال الخبير الاعلامي المصري ياسر عبد العزيز: "شهدت الساحة المصرية والعربية عموما اقبالا كبيرا ومتسارعا على أنشطة التدوين وتطوير فكرة المواطن الصحفي". وأضاف أن "بعض المساهمات التي وردت عبر الانترنت من خلال المدونات كانت مادة خاما لقصص وأخبار ظهرت لاحقا فيما يسمى الاعلام التقليدي". وتابع "أفضل ما فعله التطور الكبير فيما يسمى الاعلام الجديد وعلى رأسه التدوين انه ضغط على الاعلام التقليدي وأجبره على توسيع هوامشه". وقال مدير تحرير صحيفة (الراية) القطرية الصحفي السوداني بابكر عيسى ل (رويترز) عبر الهاتف ان المدونات "تشكل مساحة اضافية للناس الذين يحتاجون لمثل هذه المساحة... وتمثل عينا للمجتمع المدني في مواجهة ممارسات السلطات الخارجة عن القانون". واتفق عبد العزيز وعيسى على أنه سيكون للمدونات دور فعال ومؤثر في تغطية بعض الاحداث الساخنة التي تشهدها المنطقة العربية حاليا، مثل استفتاء انفصال جنوب السودان والجمود السياسي في العراق بشأن تشكيل حكومة جديدة والانتخابات في البحرين والتوتر الشيعي في بعض دول الخليج والانتخابات البرلمانية والرئاسية في مصر والجدل بشأن المفاوضات المباشرة في فلسطين وغيرها من الاحداث. لكن ياسر عبد العزيز قال ان هناك اشكالا كبيرا يتعلق بالتدوين وهو أنه "لا يخضع لأي نوع من التنظيم". وأضاف أن "المدونات كما هي مصدر مهم للخبر قد تتحول الى وسيلة لتأجيج الفتن"، مستشهدا بما حدث في قضايا المسلمين والاقباط في مصر وأحداث مباراة مصر والجزائر الكروية. وقال بابكر عيسى "مشكلتها (المدونات) ان بعضها يفتقد للمصداقية وهذه مسألة مهمة جدا. وأؤكد على ضرورة توافر المصداقية فهذا هو الرهان الحقيقي لبقاء وانتشار هذه المدونات في المستقبل". وأضاف أن المدونين "مطالبون بأن ينأوا بأنفسهم عن الاخبار التي لا أساس لها وألا ينحازوا سياسيا لمصلحة جهة من الجهات". ويرى البعض أن المدونات قد تقضي يوما ما على الصحف والمواقع التقليدية؛ لكن الصحفي المصري بسيوني الوكيل قال ل (رويترز) ان "من الصعب أن تقضي المدونات على الصحف ووسائل الاعلام الاخرى؛ اذ يصعب على القارئ مطالعة آلاف المدونات يوميا لمعرفة جميع الاخبار". وأشار الوكيل كذلك الى أن المدونات "ربما تكون منبعا لاكتشاف المواهب الصحفية بين المواطنين العاديين". وقدر تقرير صادر عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري عام 2008 تحت عنوان "المدونات المصرية.. فضاء اجتماعى جديد" عدد المدونات العربية انذاك بنحو 490 ألف مدونة بينها نحو 160 ألف مدونة مصرية. ويعاني المدونون النشطاء في مصر وأغلب الدول العربية من المضايقات والملاحقات الامنية واعتقل بعضهم وحوكموا وصدرت ضدهم أحكام بالحبس. وقال عيسى بابكر ان المدونين يواجهون الى جانب تحدي المصداقية "قهر السلطات لهم ومحاولتها ملاحقتهم". وأضاف "سيكون هناك مستقبل لهذه المدونات الا اذا لم تنفتح السلطات نحو الفضاء الاعلامي الاوسع وتقبل به". وقال التقرير السنوي لمنظمة (صحفيون بلا حدود) ومقرها العاصمة الفرنسية باريس ان مصر احتلت المرتبة 143 من بين 175 من حيث حرية الصحافة في عام 2009 الماضي. وعادة ما ترفض الدول العربية والدول النامية الانتقادات الموجهة لها من المنظمات الدولية بشأن حقوق الانسان وحرية الصحافة وتصفها بأنها محاولات من الغرب للتدخل في شؤونها الداخلية وتقويض استقرارها.