أثار الحكم الصادر عن إحدى المحاكم العسكرية في مصر بسجن مدون شاب لانتقاده المؤسسة العسكرية الإثنين الماضي، العديد من الانتقادات من جانب المنظمات الحقوقية، بقدر ما أثار تساؤلات حول مدى التغير الذي طرأ على هامش الحرية المُتاح للمدونين العرب، بعد نجاح الثورات الشعبية في كل من تونس ومصر، في إجبار اثنين من أكثر الزعماء العرب نفوذاً، على التنحي عن السلطة. ففي مصر، يجد كثير من المدونين أنفسهم في "موقف حرج" أمام المؤسسة العسكرية، التي تتولى إدارة شؤون البلاد إثر تنحي الرئيس السابق، حسني مبارك، وذلك بعد إحالة المدون الشاب، مايكل نبيل سند، إلى المحكمة العسكرية، التي أصدرت حكماً بسجنه لمدة ثلاث سنوات، بدعوى اتهامه بتوجيه انتقادات للجيش على مدونته الخاصة، التي تحمل اسم "ابن رع." وما يزيد مستقبل حركة التدوين غموضاً، أن أول قضية "رأي" في أعقاب ثورة 25 يناير/ كانون الثاني الماضي، لم يتم نظرها أمام القضاء "الطبيعي" المدني، رغم أن "تدعيم مبادئ الديمقراطية"، و"تعزيز حرية الرأي والتعبير"، كانت من بين أبرز أهداف الثورة المصرية، التي انطلقت بالأساس من موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك." ووصف مدونون وناشطون في مصر وضع المدونين وحرية الرأي بعد الثورة، بأنه "أصبح أسوأ مما كان عليه"، وأكدوا أن قضايا الرأي تواجه "تحديات خطيرة"، مع اتجاه الحكومة الانتقالية، برئاسة، عصام شرف، نحو إصدار قانون جديد لتجريم الاحتجاجات، فضلاً عن عدم وجود تطور حقيقي في منح تراخيص للصحف، ووصفوا حبس المدونين بأنه "رجوع إلى الوراء" فيما يتعلق بحرية الرأي. وشدد رئيس لجنة "الحريات" في نقابة الصحفيين، محمد عبد القدوس، في تصريحات لCNN بالعربية، على رفضه لمحاكمة المدونين أمام محاكم عسكرية، وعدم منحهم فرصة لمحاكمة عادلة أمام محكمة مدنية. وفي ذات الوقت قال عبد القدوس إن انتقاد المدونين للجيش هو "أمر مرفوض، ويجب محاسبتهم عليه"، واصفاً انتقال مصر من الحكم العسكري إلى المدني، بأنه "سيكون نقطة فارقة في تاريخ الحريات." من جانبه، قال المدون وائل عباس، إن "وضع المدونين بعد الثورة، أصبح أسوأ مما كان عليه قبلها، فبعضهم يحاكمون عسكرياً، ويصدر بحقهم قرارات بالسجن بعد أربع أيام فقط من اعتقالهم، دون الخضوع إلى إجراءات التقاضي العادية"، معتبراً أن انتقاد المؤسسة العسكرية هو "أمر وارد"، نظراً لأنها تمارس حالياً دوراً سياسياً في إدارة شؤون البلاد. إلى ذلك، قال المدون محمد جمال، الشهير ب"جيمي هود"، إنه لم يكن هناك قمع بالمعني المعروف للمدونين قبل الثورة، بحسب رأيه، سوى ما أسماه ب"التحرشات" بالمدونين، خاصةً المعروفين منهم، الذين ينشرون مدونات حول الأديان، أو ما يتعلق بالرئيس نفسه، هم فقط من كانوا يتعرضون للسجن، في إشارة إلى المدون كريم عامر، الذي تلقى حكماً بالسجن بسبب انتقاده للأديان. وتابع جمال قائلاً: "أما بعد الثورة، وتولي الجيش السلطة في مصر لفترة انتقالية، أجد نفسي في موقف حرج، كونه (الجيش) مؤسسة عسكرية يحظر انتقادها، في الوقت الذي يلعب فيه دوراً سياسياً بإدارته للبلاد، ومن حقي انتقاده." شعله الثورات جاءت من تونس، وتحديداً عبر المواقع الاجتماعبة، ولكن يبدو أن أمور المدونين وحرية الرأي، باتت أفضل من الأوضاع في مصر. المدون التونسي صالح السويس، صاحب مدونة "مرافئ"، قال لCNN بالعربية، إن القيود على حركة التدوين شهدت تخفيفاً كبيراً بعد تخلي الرئيس السابق، زين العابدين بن علي، عن السلطة، مقارنة بالقيود والمضايقات التي كان يتعرض لها المدونون قبل اندلاع ثورة تونس في 14 يناير/ كانون الثاني الماضي. إلا أن السويسي أشار إلى أنه "رغم تلك القيود التي كانت تكبل الصحفيين والمدونين على حد سواء، فقد أصر العديد من المدونين على تحدي النظام السابق، وكان صوتهم يصل إلى العالم"، سواء من خلال مدوناتهم الخاصة، أو من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، مثل "فيسبوك" و"تويتر"، باعتبارها "منابر للتعبير عن الرأي"، بحسب قوله. وتابع أن "الموضوعات المحرمة"، التي كانت لا تجرؤ وسائل الإعلام الرسمية على تناولها، كانت تجد طريقها إلى وسائل الإعلام الخارجية من خلال هؤلاء المدونين، الذين كانوا يتعرضون لملاحقات دائمة من قبل النظام السابق. ولكن السويسي وصف "جرعة الحرية" التي تلقتها حركة التدوين في بلاده كانت "أكثر من اللازم"، حيث "أصبح أغلب المتوفر الآن، السعي إلى التجريح والتهكم على المسؤولين، أو رئيس الدولة المؤقت على سبيل المثال"، مشيراً إلى أن الأمر يتجاوز حدود "النقد المُباح"، إلى التركيز فقط على "إبراز المساوئ." ودعا المدون التونسي إلى وضع "ضوابط أخلاقية" لتنظيم حركة التدوين، إلا أنه شدد في الوقت نفسه على رفضه "تقنين" الحركة من خلال "حصرها في قانون جديد أو شكل معين، حتى لا نعود إلى نظام قمعي يوجهنا إلى ما يجب أن نكتبه، وما لا يجب أن نكتبه"، مؤكداً أن هذه الضوابط يجب أن تكون "أخلاقية بالأساس." يُذكر أن المدون المصري مايكل نبيل كان قد تعرض للاعتقال أواخر مارس/ آذار الماضي، بعدما نشر على مدونته "ابن رع"، تقريراً بعنوان "الجيش والشعب عمرهم ما كانوا أيد واحدة"، ووثق بحثه بتقارير وأخبار نشرت في مختلف وسائل الإعلام، كما قام بتأسيس مجموعة "لا للتجنيد الإجباري"، على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك." وتحظر المؤسسة العسكرية في مصر نشر أي محتوي أو صور أو بيانات حول الجيش، دون المرور عليها، كما تحظر نشر أي مواد قد تتضمن "انتقادات مسيئة" للجيش.