اتساقاً مع الجدل الذي دار قبل فترة حول ضرورة الحجر على المفتين بحل الغناء، أقول والله المستعان: على العلماء أن يوسعوا صدورهم وأفقهم لإمكانية الاختلاف بينهم، فهو أمر جرى على أمة محمد منذ بزوغ الرسالة، حتى إن نبينا عليه صلوات الله وسلامه اعتبره أي الاختلاف رحمة بالأمة. وعلى الرغم من إيماني الكبير بحق حرية التعبير، إلا أنني مضطر إلى أن أدعو إلى تكميم أفواه بعض المغنين وكُتاب الأغاني الذين لم يكتفوا بالإساءة للذوق العام وإفساده لدى الأجيال الحالية والقادمة، وإنما هم في قناعتي سببٌ من أسباب العنف والتطرف والإرهاب، وسأشرح لماذا أتبنى هذه القناعة. كُتاب الأغنية والملحنون والمغنون الجدد لم يعودوا يحفلون كثيراً بانتقاء ما يكتبون ويلحنون ويغنون، وربما كان ذلك بسبب الضغط الكبير لمزيد من الإنتاج الغنائي الذي أتاحته القنوات الفضائية الجديدة وهي تعد بالمئات وإذاعات الإف إم وشركات التسجيلات التي تتطاحن فيما بينها لصناعة النجوم والتسويق لهم. فأصبحنا بالكاد نسمع كلمة رقيقة على وزن "فز الخفوق وقلت يا الله عسى خير"، أو "أهديت لك قلب ورديت لي جمرة"، أو "أنا كلي أجي ولا أروح بعزتي كلي"، أو"كنت أظن الريح جابت عطرك يسلم علي"، وبالكاد نسمع جملة طربية كما كانت في "مقادير" و"البراقع". كُتاب الأغاني وجدوا في الأمثال الشعبية الرائجة ملجأ يركبون عليه كلمات ركيكة، ولكنها تضمن الرواج بسبب رواج المثل الذي يردده الناس يومياً، وبعضهم أصبحوا يكتبون كلمات تتضمن أسماء المغنين أنفسهم، والملحنون يهتمون أكثر ما يهتمون بالإيقاعات الراقصة التي تضمن لألحانهم حضوراًً دائماً في حفلات الأعراس والحفلات الخاصة. أما المغنون فقد وقع بعضهم على كنز آخر وهو التراث، فمنه يستخرجون أهازيج شعبية مجهولة المؤلف وذات إيقاعات متداولة مثل السامري والخبيتي والمزمار، والمثير في الأمر أن كثيراً من هذه الأغاني أسهم في كتابتها كثيرون عبر العصور حتى إنه لا يوجد رابط منطقي يربط كلماتها ببعضها بعضا، ولكم على سبيل المثال "لا لا يا الخيزرانة في الهوى ميلوكي"، و"يا سارية خبريني"، وآخر ما صدر في هذا السياق سامرية قديمة كانت أقرب لجلسات الزار منها لرقة وعذوبة فن السامري وهي أغنية "ما يطيق الصبرا"، فمن منكم يستطيع أن يستخرج قيمة فنية واحدة من هذه الأغنية. أما إن بحثتم عن العنف والإرهاب الذي أتحدث عنه في الأغاني فلن يعييكم البحث أكثر من الاستماع لإذاعات الإف إم قليلاً، فستجدونها من أغاني ال Top Ten، وخذوا هذا المقطع مثالاً صارخاً: يا ماشي أنت بمهلك خاف الحسد من أهلك زلزال يخرب بيتك كيك وحلاوة بشكلك بالله عليك ألا تتفقون معي أن كاتب وملحن ومغني هذا الكلام هو الذي يستحق الحجر عليه، أو حتى السجن، ذلك أن: "السجن للجدعان على قولة أهل النيل" كما تقول أغنية أخرى من أغاني ال Top Ten! سلطان البازعي