أجرى صحفي سعودي أول دراسة وصفت بشكل دقيق واقع الممارسة المهنية وتحليلها داخل بيئة العمل الصحفي. وتعد الدراسة التي حصل بموجبها رئيس قسم التحقيقات الصحفية في صحيفة الرياض الزميل أحمد محمد الجميعة على شهادة الدكتوراه في الصحافة بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى، من قسم الإعلام بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، عن أطروحته "الممارسة المهنية الصحفية والعوامل المؤثرة فيها- أول دراسة ميدانية على عينة من الصحفوالصحفيين في المملكة العربية السعودية في مناقشة جرت اليوم الأربعاء 29 سبتمبر 2010 في القاعة الكبرى بجامعة الإمام بالرياض. واكتسبت الدراسة أهميتها من كونها أول دراسة على مستوى السعودية تصف واقع الممارسة المهنية وتحليلها داخل بيئة العمل الصحفي بمدخلاته وعملياته ومخرجاته، بما يسهم في تحديد السياسات والقواعد والإجراءات المهنية التي يلتزم بها الصحفيون، ووضوح الرؤية أمام المختصين لنقدها وتقويمها، وفق أسس علمية دقيقة، تجمع بين النظرية والتطبيق، إلى جانب تحديد العوامل المؤثرة على واقع هذه الممارسة من منظور تكاملي يجمع بين العوامل المهنية وغير المهنية، ومدى تأثير كل عامل من هذه العوامل على واقع الممارسة المهنية، كذلك قدّمت الدراسة رؤية قيادات العمل الصحفي لمستقبل الممارسة المهنية في الصحف السعودية. تناول الباحث أحمد بن محمد الجميعة في الإطار النظري للدراسة مفهوم الممارسة المهنية الصحفية (المهنة، المهنية، ممارسة المهنة، الممارسة المهنية)، ومبادئها (المعرفية، المهارية، الأخلاقية)، والمداخل النظرية لوصف واقع الممارسة المهنية للصحف (المنظمة الإعلامية، المدخل الوظيفي للقائم بالاتصال، نظرية حارس البوابة)، والعوامل المهنية المؤثرة على الممارسة المهنية من داخل الصحف (النظام الاتصالي -بما يشتمل عليه من سياسات وتنظيمات-، سياسة تحرير الصحيفة، شخصية رئيس التحرير، مصادر المعلومات، اقتصاديات الصحيفة، الظروف الخاصة بالصناعة الصحفية، السمات الشخصية للصحفيين، تقنية العمل الصحفي)، إلى جانب العوامل غير المهنية المؤثرة على الممارسة المهنية من خارج الصحف (توجهات النظام السياسي ومواقفه، قيم المجتمع وثقافته، جماعات التأثير). وفي الإطار التطبيقي قسّم الباحث الجميعة دراسته الميدانية إلى ثلاثة مستويات، هي: وصف واقع الممارسة المهنية في صحف (الرياض) و(عكاظ) و(الوطن)؛ من خلال أدوات الملاحظة بالمشاركة، والمقابلة المقننة، وتحليل الوثائق. والمستوى الثاني، دراسة العوامل المؤثرة على الممارسة المهنية للصحفيين في الصحف السعودية؛ باستخدام أداة الاستبانة، حيث بلغ عدد أفراد العينة (294) مفردة، موزعة على (11) صحيفة. والمستوى الثالث، رؤية قيادات العمل الصحفي لمستقبل الممارسة المهنية في الصحف السعودية في ضوء العوامل المؤثرة فيها. ووصف الباحث جميع إجراءات وقواعد وسياسات العمل الصحفي داخل الصحف السعودية، بدءاً من الإعداد الذهني (المعرفة بالأحداث اليومية، الاطلاع على الصحف والمواقع الإليكترونية، تقييم العدد السابق، صناعة الأفكار، عقد اجتماع التحرير اليومي،...)، ومروراً بالإعداد المهني للممارسة (آلية تطبيق خطة العمل في الأقسام، توزيع المهام، التوجيه، تلقي الاتصالات والتعاميم،..)، وانتهاءً بمرحلة بدء الممارسة (البحث عن المعلومات، وتوثيقها، وتحريرها، وإرسالها، وفرزها، وإجازتها للنشر، وأسلوب نشرها). وخلصت ملاحظة الباحث أن أساليب الممارسة المهنية في الصحف السعودية تعتمد على خمسة أساليب رئيسة، هي: أسلوب المجاملة، وأسلوب الوصف، وأسلوب النقد، وأسلوب المقارنة، وأسلوب التسويق والترويج للأفكار والمواقف والخدمات)، مع ملاحظة أن هذه الأساليب متفاوتة في التطبيق بين صحفي وآخر، وقسم وآخر داخل كل صحيفة. وتناول الباحث مستوى التنسيق بين المحررين والأقسام الفنية والإدارية في الصحف السعودية، حيث قدّم الباحث في هذا الجزء الإجراءات والقواعد التفصيلية الخاصة بدورة العمل في الأقسام الفنية في الصحف السعودية، وتشمل: (الصف،التصحيح، الإخراج، فرز الصور، التنفيذ)، ومدى التنسيق بين هذه الأقسام والتحرير في كل مرحلة، إلى جانب تنسيق التحرير مع الإدارات المشتركة في المنظمة، وتشمل: (إدارة المطابع، إدارة التوزيع والاشتراكات، إدارة الحاسب الآلي، إدارة الإعلانات، إدارة العلاقات العامة والتسويق). وخلص الباحث الزميل أحمد الجميعة في دراسته للدكتوراه إلى نتائج منها أن محيط الممارسة المهنية في الصحف السعودية مستقر مهنياً وتقنياً، بينما لا يزال يخضع تنظيمياً ووظيفياً إلى رؤى واجتهادات فردية. كما جاءت نتائج الدراسة الميدانية مشيرة إلى أن الممارسة المهنية في الصحف السعودية جيدة إجمالاً، ورغم إيجابية هذه النتيجة، إلاّ أن درجة التزام الصحفيين بأخلاقيات الممارسة يعد منخفضاً مقارنة بالمعرفة والمهارات، وهو ما يعدهالباحث مصدر قلقٍ على مستقبل الممارسة المهنية في الصحف السعودية، ويعزز هذا القلق ما أجمع عليه قادة العمل الصحفي من وجود انخفاض ملحوظ في مستوى القيم والسلوكيات الأخلاقية للممارسة المهنية. وقدّرت نتائج الدراسة حجم تأثير العوامل المهنية من داخل الصحف السعودية على الممارسة الصحفية بأنها متوسطة التأثير، مما يعني أن الصحفي السعودي لديه القدرة على التكيف مع هذه العوامل، ومسايرة الضغوط التي تواجهه، دون الشعور بالاستقلالية الكاملة في ممارساته، وأشارت هذه النتائج إلى أن الصحفي يتأثّر بجملة عوامل مهنية في وقت واحد، وهو ما أكدت عليه أدبيات الدراسة من أن هذه العوامل لا يمكن عزل بعضها عن بعض بسبب تداخلها وتفاعله. وجاء في مقدمة العوامل المهنية المؤثرة على الممارسة المهنية "تقنية العمل الصحفي"، والترتيب الثاني "سياسة التحرير"، ثم "اقتصاديات الصحيفة"، واحتلت "مصادر المعلومات" الترتيب الرابع، وجاءت "الظروف الخاصة بالصناعة الصحفية" في الترتيب الخامس، وتبوأت "شخصية رئيس التحرير" الترتيب السادس، وظهر "النظام الاتصالي" في آخر سلّم العوامل المهنية المؤثرة في الممارسة الصحفية. وأظهرت نتائج الدراسة أن للعوامل غير المهنية مجتمعة تأثيراً "محدوداً" على الممارسة المهنية لأفراد عينة الدراسة؛ كما أظهرت أن النظام السياسي هو أكثر العوامل غير المهنية تأثيراً على الممارسة الصحفية من خارج الصحيفة، يليه قيم المجتمع وثقافته، وأخيراً جماعة التأثير. وكشفت نتائج "اختبار بيرسون" أن الصحفيين يتأثرون في ممارساتهم بالعوامل التي تكون من خارج الصحيفة أكثر من تأثرهم بالعوامل التي تكون من داخل الصحيفة. وبعد استعراض النتائج الإجمالية للدراسة، عرض الباحث أهم المؤشرات الإيجابية للممارسة المهنية الصحفية، تمثّلت في وضوح الرؤية الفكرية للصحفيين، وتطوراً ملحوظاً في ممارساتهم، واستشعاراً للمسؤولية القانونية والمجتمعية، واستخدام التقنية. وعلى الرغم من إيجابية الممارسة، إلاّ أن الدراسة كشفت عن جملة من المؤشرات السلبية للممارسة أهمها، التجاوزات الأخلاقية للمهنة، ويتضح ذلك في عدد من المظاهر، منها: نشر معلومات غير دقيقة، أو لم يأذن المصدر بنشرها، والنقل عن المواقع الإليكترونية دون الإشارة إليها، وإلحاح الصحفي على مسؤولي التحرير لنشر المواد الصحفية التي تحقق مصالحه الخاصة، واستخدام جهاز التسجيل أثناء الاتصال بمصادر المعلومات دون أن يشعروا بذلك، وتوظيف العمل الصحفي في البحث عن مصادر دخل إضافية. ومن المؤشرات السلبية للممارسة أيضاً؛ تدني مهارة الكتابة الصحفية لدى معظم الصحفيين، وتقييد هامش الحرية أمامهم. ودعت التوصيات العملية للدراسة إلى مبادرة الصحف السعودية لإيجاد هياكل تنظيمية مدونة، ومعلنة، ومحددة، وواضحة العلاقة بين مكوناتها في حدود الإشراف والسلطة والمسؤولية، وتوصيف وظائف العاملين في التحرير، ومراجعة مرتبات الصحفيين المتفرغين؛ بما يحقق الاكتفاء المالي، حتى لا يتنازلون عن قيم الممارسة وأخلاقياتها مقابل تحقيق مصالحهم الخاصة وتعزيز دخلهم الشهري، والتأكيد على تلمس احتياجات الجمهور ميدانياً؛ كما أوصت الدراسة بصياغة مواثيق شرف أخلاقية، واعتماد لوائح وتعليمات مفسرة للسلوك الأخلاقي في كل صحيفة، وتقديم دورات في الصياغة الصحفية على رأس العمل، وإعداد دليل الأسلوب (Style Book)، وإنشاء إدارة خاصة بالجودة والاعتماد المهني في الصحف السعودية. وأظهرت إجابات قادة العمل الصحفي إجمالاً؛ أن كثيراً من الرؤى المستقبلية للممارسة المهنية الصحفية لا تزال مرهونة بجهات أخرى خارج المنظمات الصحفية، مثل: (النظام السياسي، المجتمع، المؤسسات الحكومية، وزارة الثقافة والإعلام، مصادر المعلومات)، ولذا أوصت دراسة الجميعة القائمين على الصحف السعودية بمعالجة كثير من السلبيات التي قد تعيق تطور ممارساتهم داخل صحفهم، وأن لا تتخذ هذه الجهات ذريعة لمواجهة مظاهر هذا القصور، وحماية المهنة الصحفية من "الدخلاء المنتفعين" باعتماد مبدأ الكفاءة المهنية حيث أوصت الدراسة بزيادة عدد الصحفيين المتفرغين في الصحف السعودية، بما يحقق مزيداً من الانتماء للمهنة، وإيجاد لوائح وتنظيمات داخلية خاصة بحفز وتقويم أداء الصحفيين، بما يعزز الكفاءة الصحفية، ويحد من معايير "العلاقات الشخصية"، كما دعا الباحث إلى دراسة "لجنة النظر في المخالفات الصحفية بوزارة الثقافة والإعلام"، من حيث مهامها، وإجراءاتها، ووسائل نظرها الخاصة قبل إصدار القرارات، إلى جانب مراجعة الأنظمة والسياسات الإعلامية في المملكة بما يتسق مع متغيرات البيئة الاتصالية فيالمملكة. يذكر أن لجنة المناقشة والحكم على الرسالة تكونت الدكتور عبدالله بن محمد آل تويم الأستاذ المشارك في قسم الإعلام بجامعة الإمام (مقرراً)، وعضوية كل من: الدكتور علي بن شويل القرني الأستاذ بقسم الإعلام بجامعة الملك سعود، الدكتور عبدالله بن محمد الرفاعي الأستاذ في قسم الإعلام بجامعة الإمام.