لم يأت مرور الرياض بنظام ساهر(المغرم بجيوب المخالفين) من كوكب المريخ ليطبقه فجأة في الرياض ليقابل بهذا السيل الجارف من الانتقادات في وسائل الإعلام الجديدة وفي المنتديات وبدرجة أقل في الإعلام القديم التقليدي، بل هو نظام مروري وأمني معروف في دول العالم التي تؤمن بأهمية التقنية الحديثة في تعزيز فرض الأنظمة والانضباط. ومع التسليم أن لكل نظام جديد ردود أفعال مختلفة بين مؤيد ومعارض - وقد يلين رأس المعارض مع الوقت - وأن له سلبيات تظهر في مرحلة التطبيق إلا أن المخططين الأذكياء هم مَن وضعوا كل الاحتمالات في خططهم للتعامل معها فوراً حرصا على استمرار فرض النظام دون الانتظار والتفرج عليها حتى تكبر، وربما في هذه المرحله تصبح المعالجة صعبة وقد تكون متعسرة. وقد ينتهي به الأمر إلى التقاعد المبكر، خاصة إذا شابه شيء من الغموض في هيكليته ونظم سير إجراءاته القانونية لأنه ربما يواجه من المتضررين شكلاً جديداً من التقاضي في المحاكم، إذا لم تكن البنية القانونية المرورية مكتملة لمواجهة مقيم الدعوى بنصوص قانونية واضحة المعالم له أو عليه. ومع دخول نظام ساهر شهره الثالث إلا أن كثيرا من المستفدين منه أو المتضررين لا يعرفون من هو (كفيله الشرعي) هل هي وزارة الداخلية أم القطاع الخاص؟ كما لا يعرفون (الشكل القانوني) الذي في ضوئه ظهر هذا النظام إلى حيز التنفيذ. ويسجل لوزارة الداخلية الحريصة بكل تأكيد على سلامة البلاد والعباد أنها أطلقت حملة إعلامية في وقت مبكرعبر جميع وسائل الإعلام ومازالت مستمرة لوضع الصورة كاملة لنظام ساهر أمام الناس .. كما أن الوزاره المواكبة لعالم الشاشة الكونية وأهميته البالغة في عالم الاتصال أسست موقعاً على النت للنظام يحتوي على كل المعلومات التعريفية والإرشادية بما فيها الإبلاغ عن المخالفات المسجلة آليا عن طريق الجوّال للمسجلين في الموقع أو الاستفسار بالهاتف أوعن طريق الموقع وأجهزة الصراف في البنوك. غير أن غياب الشفافية التي صاحبت إجراءات البدء وتطبيق النظام من حيث الإفصاح عن الشركات التي تنافست في تشغيله، والشركة التي فازت به، وعمّا إذا كانت حكومية أو تابعة للقطاع الخاص، وكذلك عن الشكل القانوني للاتفاق، وحقوق كل طرف، خاصة المالية منها هو الذي غاب عن عملية الإفصاح المعلوماتية والإرشادية الواسعة التي تمت. وعلى الرغم من أن لقاء مدير مرور الرياض العقيد عبد الرحمن المقبل، كان فرصة سانحة أمام الصحفيين وجهاً لوجه في أمسية إعلاميي منطقة الرياض يوم السبت 13 يونيو 2010 للإفصاح عن مثل هذه الامور، إلا أن اللقاء بدا وكأنه حفلة علاقات عامة، مجّد فيها العقيد المقبل نظام ساهر والجدية في تطبيقه على الجميع وانتهت الحفلة بتسليمه درعا في آخر الأمسية. وفي ظل أجواء كهذه كثرت التكهنات والاجتهادات حول المصب الأخير لهذه الأموال الكبيرة التي ستجنى من المخالفين للأنظمة المرورية وعمّا إذا كانت في النهاية ستصب في الصندوق الحكومي. ونقلا عن وكالات (يقولون)، التي يزدهر نشاطها في الأجواء غير الشفافة، فإن الأقوال المتناثرة في المجالس وغيرها عن نظام ساهر، ملخصها القول إن الاتفاق تم مع إحدى الشركات الخاصة لتتولى تأسيس وإدارة النظام وتشغيله مقابل ثلاث سنوات من التشغيل يكون فيها دخل النظام للشركة بعدها تنتقل إدارته وملكيته وتشغيله للمرور. وقالت (وكالة) أخرى إن الاتفاق مع الشركة المشغلة ينص على تقاسم الدخل بين الطرفين، وذكرت ثالثة أن الاتفاق تم على أساس 30 % للحكومة و70 % للشركة المشغلة دون إشارة إلى مدة الاتفاق وهناك من يرجح أنه خمس سنوات. وهذا يعني على ذمة (يقولون) أن الشركة المشغلة لنظام ساهر، إن لم تكن هناك عوائق فنية، ستعمل على تلغيم الشوارع والطرقات السريعة بكاميراتها الثابتة والمتحركة، وقد يغريها الدخل الذي سيكون سنويا بالمليارات لكثرة الطائشين والمستهترين من السائقين، على شراء قمر صناعي وإطلاقه للمراقبة الدقيقة لكل جسم حديدي متحرّك ورصد مخالفاته بكل جدية وعمل دؤوب! ومن المؤكد أن الجدية في تطبيق الأنظمة (على الجميع دون استثناء) سيفرض النظام وبالتالي تتناقص مع الزمن الكوارث المرورية، ويتعود الناس تدريجيا على الأمر الواقع ويبرمجون عقولهم على التكيّف على الجديد بعد عقود من الفوضى والحوادث القاتلة. يبقى القول ونحن نواجه نظاماً آليا لا يرحم ولا يستثني أحدا وهو مطلب لتصحيح الأوضاع المائلة إن الكثيرين منا سيجد نفسه على الأقل في السنوات الأولى للتطبيق مضطرا للاقتراض من البنوك لتسديد قيم المخالفات، خاصة أن هناك من يتحدث حاليا عن بلوغها لدى هواة السرعه وقطع الإشارات إلى عدة آلاف من الريالات. ولعل البنوك وقد فتح لها نظام ساهر باباً استثمارياً جديداً أن تضع ضمن خطط تسويق منتجاتها الإقراضيه منتجا يحمل اسم (قرض ساهر) بفوائد منخفضة حتى لا تشترك مع نظام ساهر في قسوته على الجيوب. وتبقى إشارة أخيرة حول إيجاد حل للراغبين في الانحراف يمينا والذين تصطادهم كاميرات ساهر، إن لم يتوقف ثواني عند الإشارة قبل الانحراف ومن الأنسب تحويل طريق الانحراف يمينا بإيجاد مخرج له قبل الإشارة بعشرين مترا على الأقل في بعض شوارع الضغط المروري مثل تقاطع العليا مع العروبة، على سبيل المثال، وإجراء مثل ذلك سيحل هذا الإشكال مع النظام. واللافت للجميع أن حافلات نقل الركاب (خط البلدة) هي الأكثر في صناعة الفوضى في الشوارع ولا تعير الأنظمة اهتماما، كما يلاحط في نقل وتنزيل الركاب عند إشارات المرور وفي أي مكان في الشارع، فضلا عن عدم تقيدها بالوقوف في الأماكن المحددة، والأخطر من ذلك التسابق في الشوارع المزدحمة على الركاب في منظر مخجل من (الفورمولا بلدة). والضروره تتطلب لجم هيجانها وإلزامها بإغلاق الباب وعدم فتحه إلا في نقاط التوقف النظامية، ولعل الصحوة المروريه ونظام ساهر يسهمان في تصحيح بعض علامات التخلف في الشوارع والتي من ابرزها (رالي خط البلدة). (محمد السلوم)