بودّي لو تم إجراء دراسة حول عدد مقالات الرأي التي تناولت حقوق الأجانب في بلادنا، ابتداء من الأجانب الذين ولدوا على أراضي المملكة العربية السعودية وقاربت أعمارهم الخمسين أو تجاوزتها وهم لا يزالون أجانب لا يملكون حتى حق كفالة أنفسهم، ومرورا بأولئك الأكثر شقاء الذين لم تمنحهم "الأم" السعودية حق الجنسية, فبقوا أجانب حتى إشعار آخر, وليس انتهاء بالعمالة الوافدة التي تعجّ بها شوارعنا، شوارعنا وليس مكاتبنا ومحلاتنا، الذين بلغت جالية واحدة منهم، كالجالية الهندية، عام 2008, ما يقارب 27% من تعداد سكان بلاد يبلغون 25 مليونا! بحسب تقرير نشره البنك السعودي الفرنسي مؤخراً. نعم، بودّي لو أجريت دراسة حول مقالات الرأي, لأنني لا أشك أن قلة قليلة تحدثت عن حقوق هؤلاء التي لا يعيرها أحد انتباها وسط فوضى "الفيز" و"التأشيرات" المتطايرة في مكاتب الاستقدام دون توقّف. قد يرى بعضهم أن هناك قوانين تنصف من يأتي أو يتم استقدامه للعمل في الأراضي السعودية، وهو أمر لمستُ جانبا منه في مرات قلائل، ويتم تنفيذه بطريقة "مخصوصة", لدرجة أنني بتُّ على ثقة بأنه خاص ببعض الجاليات التي يتوافر لديها وعي كافٍ بمعرفة حقوقها, وتقف وراءها "سفارة" تهتم برعاياها، إلا أن الغالبية من "العمال" البسطاء أو ما يسمون العمالة غير الماهرة، أي تلك الفئة العاملة في قطاعات لا تحتاج إلى متخصصين كشركات النظافة وشركات المقاولات العامة، ومن يعمل في تنفيذ تعهدات القطاعات الحكومية لا حقوق لها، وهي الفئة التي يتم استغلالها بشكل كبير، فحكايتهم لا تبدأ من "عشرات" الفيز التي تمنح لتاجر ما ليقوم ببيعها لهؤلاء المساكين دون حاجة فعلية إليهم، ولا تنتهي بوجودهم دون عمل على أرصفة تكدست عليها أرتال ممن سبقوهم بالسير على هذه الطريق المجهولة. إن هدفي من الكتابة هنا ليس الحديث عن حقوق وواجبات عمالة كهذه، لأن موضوعها شائك ومتشعب ويهم قطاعات حكومية ذات علاقة تقوم بوضع قوانينها وأنظمتها داخل مكاتب مغلقة دون وعي بحقيقة ما تتعرّض له العمالة الوافدة من إجحاف؛ لكن أكتب لبيان مدى استغرابي من سكوت شبه مجمع عليه من كتاب الرأي الذين يشجعون من خلال سكوتهم على ضياع مزيد من الحقوق لهذه العمالة, فالكتابة عن هذه الفئة أمر ملح لإنصافهم، إذ ليس من المعقول أن نطالب هؤلاء الوافدين باحترام أنظمة وقوانين بلادنا في ظل ضياع شبه كامل لحقوقهم، ووقوعهم تحت طائلة جشع كفيل سعودي يهتم ببيع "الفيز" أكثر من اهتمامه بالحاجة الفعلية إلى الاستقدام، وفي ضوء غياب شبه تام للتوعية بالأنظمة التي تكفل لهم حقوقهم قبل أن تلزمهم بالواجبات المترتبة عليهم, فهل سيطول صمت كتابنا الذي يشبه التواطؤ مع مجتمع استمرأ "المتاجرة" بمصائر بشر لا ذنب لهم إلا أنهم يطلبون عملا كبقية خلق الله؟!!