قبل أسبوع فقدت جزءاً من جسدي ، فقدت قطعة من حياتي، فقدت أخي وحبيبي محمد ،فقدته في يوم خميس فكان يوم خميس مزعج.. كان يوم خميس مفجع.. كان يوم خميس مؤلم.. شكلت الساعات الأخيرة من هذا اليوم حالة قلق وترقب وخوف،وآهات وحزن ودموع،ودعاء . ساعات قليلة وكانت المفاجأة .. مات محمد ، مات محمد بلا تمهيد، بلا مقدمات، بلا استئذان، بلا توديع، بلا أي إشارة، مات هكذا وبهذه السرعة فكانت الصدمة، صدمة لم يستوعبها كل محبيه من الأهل والأقارب والأصدقاء والجيران والمعارف. ها نحن في غرفة غسل الأموات يتناوب بعض الأهل والأصدقاء على تقبيل جبينه، ليتنا فعلنا ذلك قبل ذلك، ليتنا وليتنا وليتنا، ما أكثر ما لم نفعله وتمنينا فعله بعد فوات الأوان، ما أكثر ما نحتاجه من بعضنا البعض ولم نبادر في فعله تسويفاً واستبعاداً لحالة فراق تأتي مفاجئة. نشكو ونعاتب ونزعل ونتذمر أحياناً، ونبخل بكلمة أو زيارة أو دعوة في أحيان أخرى، ثم نعيش لحظات حسرة وحرقة حيث راح الأحباب وظلت الكلمات والأفعال حبيسة بلا معنى ، لا سامع لها ولا مستقبل لنا. علمَنا الفقيد بفراقه المفاجيء دروساً عديدة، وأعظم ما علمنا أن هذا الحضور الجارف لحظة تشييعه والحضور الطاغي أيام العزاء فيه، كانت من رصيد ما كنز في دنياه من خلقٍ رفيعٍ ونبلٍ ووفاءٍ وابتسامةٍ صادقة لم تفارق محياه ، ومن رصيد لطفه وبساطته وعفويته فضلاً عن حبل الوصل الذي مده مع القريب والبعيد الصغير والكبير بكل أريحية وبساطة ممزوجا بحالة فرح وعبارات لا تخلو من طرفة ونكتة، ونفس بسيطة متواضعة حيثما حلت نشرت البسمة والمرح . كان الناس يقدمون لي العزاء في أخي قائلين : "عظَم الله أجرك" ، فأرد قائلاً : " وعظَم الله أجركم" ، كنت أبادلهم التعزية ؛ لأني شعرت أنهم كلهم مثلي ومثل بقية أهلي فقدوا عزيزاً حبيباً ؛ ولهذا هم بحاجة لمن يعزيهم ويواسيهم أيضاً. رحمك الله أبا إبراهيم ، ذهبت وأبقيت سيرة عطرة وحباً كبيراً شهد به كل من واسانا فيك ومن اتصل بنا معزياً فيك، سيرة كان شاهداً عليها كل من عرفك وجاء واتصل معزياً من رأس تنورة والجبيل والدمام والأحساء والخبر والرياض والقصيم وحائل والبحرين وقطر والإمارات ،والكويت و، و، و…. ذهبت أبا إبراهيم وأبقيت أبناءً يعتد بهم ويفخر بهم ، فيهم كثير منك حيث معدنك الأصيل وأخلاقك السامية وروحك العالية ونفسك العزيزة . رحمك الله أبا إبراهيم ، غبت وغابت عنا ملاطفاتك ، مداعباتك ، ابتساماتك، تعليقاتك ، فقدناك وفقدنا تلك الروح المرحة التي اتسمت بها المجالس حيثما كنت وحيثما تواجدت فيها، رحلت ورحلت معك أشياء كثيرة لا تعوض ويصعب استحضارها بدونك. نستذكر تذكيرك الدائم لنا بذكر الله وبالدعاء وبالقناعة وبالابتسامة وبالتواصل وبصلة أصدقاء الوالد (يرحمه الله) ، نستذكرك ونشكر لك مبادراتك الجميلة والكثيرة معنا ومع أبناءنا وأبناءك وأحفادك. نستذكرك ونشكر لك شروعك في إنشاء وإدارة حساب مدينة (رحيمة – رأس تنورة – ) على انستغرام حباً وخدمةً ووفاءً لسكان هذه المدينة التي أحببتها وعشت فيها ورفضت الخروج منها إلى أن توفيت فيها ودفنت فيها ، وقد بادلك معظم سكانها وأغلب من خرجوا منها الوفاء والحب والنبل والأصالة، بكوا عليك وحزنوا وصلوا وشيعوا وعزوا فيك ودعو لك وأسمعونا جميعهم أجمل الكلام عنك والثناء عليك. أبا إبراهيم .. رحلت وأبكيتنا وستبكينا كلما طافت أمامنا مشاهد من عمر طويل عشناه معك تحت سقف واحد ، عشناه معك في رحلاتنا و(جمعاتنا) ومناسباتنا ، لك مكان لن يشغله أحد في مجالسنا وفي مزرعتنا وفي كل زاوية حللت بها وفي كل مكان جمعنا بك، فكل منا قريب أو صديق لديه معك من المواقف والقصص الجميلة والمؤثرة والطريفة ما تجعلك حيا في قلوبنا وفي ذاكرتنا، وحتما كلما حضرت تلك المشاهد وتلك الصور وتلك الذكريات ترحمنا عليك ودعونا لك عند أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين. أبا إبراهيم .. نوَر الله قبرك ، ووسَع عليك فيه ، ومد لك فيه مد بصرك ، ورحمك الرحمن الرحيم ، وجمعنا وإياك في الفردوس الأعلى ، وإنا لله وإنا إليه راجعون. الوسوم بقلم-رئيس-التحرير طارق-إبراهيم