ومن صفات المنافقين وصف المؤمنين الصادقين بأنهم سفهاء ، أو متخلفين ، أو رجعيين ، أو ظلاميين، أو نحو ذلك من الأوصاف التي يصف بها اللادينيون المؤمنين الصادقين ، قال تعالى : { وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون } . يتضح من الآية أن المنافقين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا يأنفون من الاستسلام لأمر الله ورسوله ويرونه خاصاً بفقراء الناس غير لائق بعلية القوم ذوي المقام الرفيع - بزعمهم - ومن ثم قالوا قولتهم هذه : { أنؤمن كما آمن السفهاء } ، ولذلك جاءهم الرد الحاسم من الله عز وجل بقوله : { ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون } . وذلك أن حقيقة السفه، كما جاء في القاموس المحيط للفيروزأبادي (1/434) : ((سفه فلان سفاهاً وسفاهةً : خف وطاش وجهل )) ، فهم في الحقيقة أحق من المؤمنين بهذا الوصف لأنهم خفت عقولهم وطاشت فلم يستشعروا معنى الإيمان بالله ورسوله وحقيقة الإيمان وقيمته، وجهلوا عظم هذا الدين فأعرضوا عنه في الباطن وإن كانوا قد تظاهروا به في العلن. ومن صفات المنافقين أيضاً أنهم يتصفون بصفة اللؤم والتآمر في الظلام فهم لا يجرؤون على محاربة الدين علانية بل يتظاهرون بأنهم مصلحون، ولكنهم في حقيقة الأمر يسعون بشتى الطرق إلى منع تطبيق هذا الدين في البلاد ويحاربون كل من يسعى إلى ذلك ، قال تعالى : {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا ، وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤون} . قد يظن بعض الناس أن اللؤم قوة والمكر براعة وهو في حقيقته ضعف وخسة، فالقوي ليس لئيماً ولا خبيثاً ولا خادعاً ولا متآمراً، وهؤلاء المنافقون - الذين يتظاهرون بالإيمان عند لقاء المؤمنين ويتقون الأذى ويتخذونه ستاراً ووسيلة - كانوا إذا خلوا إلى شياطينهم وهم اليهود ومن هم على شاكلتهم من المنافقين قالوا : إنا معكم إنما نحن مستهزؤون - أي بالمؤمنين - بما نظهره من الإيمان والتصديق . ثم قال تعالى : {الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون} : ذكر ابن جرير الطبري في تفسيره (1/132-133) أن المفسرين اختلفوا في صفة استهزاء الله جل جلاله بالمنافقين ثم قال: ((والصواب في ذلك من القول والتأويل عندنا أن معنى الاستهزاء في كلام العرب: إظهار المستهزئ للمستهزأ به من القول والفعل ما يرضيه ويوافقه ظاهراً ، وهو بذلك من قبله وفعله بهم ورثه مساءة باطناً ، وكذلك معنى الخداع والسخرية والمكر )) . يقصد بذلك رحمه الله : أن الله يترك المنافقين في الدنيا على ما أظهروه ثم يوم القيامة يجازيهم نظير صنيعهم فيحشرهم مع المؤمنين ابتداءً ثم يفصلهم ويعزلهم عن المؤمنين ويحشرهم مع الكافرين ثم يلقيهم أسفل سافلين في الدرك الأسفل من النار، كما قال تعالى: {يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب} . ومعنى ويمدهم في طغيانهم يعمهون: أي يذرهم ويتركهم في طغيانهم وفسادهم وكفرهم ويملي لهم ليزدادوا إثماً إلى إثمهم، هذا وللحديث بقية إن شاء الله.
د. مروان المحمدي عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام في الأحساء