ماذا ينتظر ذاك الذي يتابع بلهفة عناوين أخبار المناطق الساخنة في الصحف؟ هل يريد معرفة ما يجري حوله ؟ أم يحلم بيوم جديد وعالم أفضل؟ هل ينتظر أن يتغير العالم وفقا لأمانيه الخاصة ؟ وماذا عن ذلك الذي يتسمر أمام شاشة التلفزيون متنقلا من فضائية إلى أخرى وكأنَّ (الريموت كونترول) سُبْحَةٌ في يده؟! ألا يخشى هذا المشاهد أن تترمَّدَ عيناه من طول التحديق في شريط الأخبار السياسية على الشاشة، أو تطول أذناه من طول فترات الاستماع والترقب؟ هل أدمن مشاهدة مناظر العنف والإصغاء إلى لغط المناقشات العقيمة في برامج الحوار العربية؟ يوصي أحد المتفرجين على هذا المشهد بحل الكلمات المتقاطعة، أو الاستمتاع بمشاهدة فيلم كوميدي إلى أن يتغير الواقع تجنبا لأسباب التوتر والضغط واحتمال الإصابة بالذبحة الصدرية. اقتراح عجيب، لكن العجب يقلّ، والاقتراح يصبح معقولا إلى حد ما، عندما يشعر المرء بأنه لا يحصل على المعلومة الصحيحة من خلال مصادر المعلومات المتاحة، أو حين يجد نفسه غير قادر على التأثير فيما يجري حوله، بمعنى أن الأحداث تتوالى بشكل مفاجئ، أو بالشكل المرسوم لها من قبل قوى أخرى تتحكم في مصير هذا العالم. ومعنى هذا أن شَرَهَ المشاهدة والاندماج في المشهد إلى درجة الذوبان لا يعدو أن يكون شكلا من أشكال الاستهلاك. فالمشاهد لا يغير شيئا لأنه يستهلك الخبر ولا يصنعه. يبقى سؤال آخر ليكتمل تأمل هذه الحالة الغريبة وهو : هل يبحث المشاهد أو القارئ عن الحقيقة ؟ سيكون ذلك أشبه بالبحث عن إبرة في كومة قش بحجم العالم، ذلك أن لكل منبر إعلامي توجهه أو أجندته الخاصة، وهو توجه يفرضه الممول، حتى لو قالت الشعارات شيئا آخر. ووفقا لهذه القناعة، على المشاهد أن يسأل : من الذي يدفع للزَمَّار؟ يعتقد بعضهم، واهما، أنه مشارك في تلك اللعبة. ومنهم أولئك الذين يناقشون قضايا الأرض في المجالس الخاصة بحماسة تصل إلى مستوى العراك. الأشداق واسعة، والأصوات عالية، والأوداج منتفخة، والوجوه محمرة، وكأنهم سوف يتولون أمر العالم غدا. افتراض لن يتحقق، لكنه لو تحقق لما كانوا أفضل ممن سبقوهم، إن لم يكونوا أسوأ منهم. أنت موجود معهم بجسدك فقط، أي أنك تشبه بطل هنري باربوس في قصة (الجحيم) وهو يطل على العالم من ثقب الجدار، وتتساءل: لماذا كل ذلك الصخب الذي لا جدوى منه؟ تود أن تطرح عليهم السؤال نفسه لكنك لا تفعل، لأنك لست على استعداد للمشاركة في حوار الطرش. فأنت لا تستطيع، وربما لا تريد، إصلاح البشرية على ذلك النحو. وسواء جاءت البيضة قبل الدجاجة أم الدجاجة قبل البيضة، أم جاءتا متزامنتين. فإن ذلك لا يعني لك شيئا على الإطلاق. ولعل من الأجدى، إذا أردت أن تخرج من قمقم الصمت أن ترسم كاريكاتير بالكلمات يصور أجواء داحس والغبراء، أو تكتفي بحل الكلمات المتقاطعة، أو مشاهدة فيلم كوميدي كي لا تساهم في ارتفاع نسبة ذلك التلوث الضوضائي! [email protected]