تشيخُ القامات كالبيوتِ القديمة، وتبتدئ الأعضاء خديعتها، مثل خديعة الأحجار في تلك البيوت .. ولكنّ قامةَ الوطن تبقى منتصبةً على الزمن. مرّتْ عليهِ السيولُ فلم يشردْ بهِ سيل، واقتحمته العواصف فلم تهربْ بهِ عاصفة .. ذلك لأنّه متجذّرٌ بكلّه في أرواح أبنائه، فهو من ثوابت الأرواح قبل أن يكون من ثوابت التاريخ والجغرافيا. وأجدادنا الذينَ عَسْكَروا طموحاتِهم بالأمل، تحت قيادة المؤسّس المغفور له الملك (عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود).. أجدادنا أولئك ما زالوا يشكرونَ العاصفةَ التي ساقتْ إليهم الغيمَ مدرارا .. أجدادنا هم الذين فهموا أغنيةَ المطر، وطربوا على أنغامِ قَطَرَاتِهِ، لأنهم كانوا الأشدَّ عطشاً من الصحراءِ ومن الجِمال الهِيم .. وقد أنبأهمُ الموسمُ ذاتَ عُشْبٍ أنّ الأرض أمانةٌ في أعناقهم، فكانوا كفؤاً لتلك الأمانة. أجدادنا الذين عَسْكَروا طموحاتِهم بالأمل، تحت قيادة المؤسّس المغفور له الملك (عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود).. أجدادنا أولئك ما زالوا يشكرونَ العاصفةَ التي ساقتْ إليهم الغيمَ مدرارا. لم تكن استجابتُهم لنداءِ (التوحيد) شبيهةً باستجابةِ قطيعِ ماشيةٍ لنشيد الراعي، وإنّما كانتْ شبيهةً باستجابة العقول لنداءِ الفطرة، واستجابةِ الشمس لاستغاثة النهارِ. لذلك، زرعوا أجسادَهم في الأرض لنحصدَ غِلالها - في يوم التوحيدِ الخالد هذا- أمناً وسلاماً. واحتفاءً بذكرى هذا اليوم، الذي استسلمتْ فيهِ الجغرافيا الوَعِرَةُ لشهيَّةِ العناقِ بين الأمكنة، لا يمكن للشِّعر.. هذا المواطِنُ النَّشِطُ.. لا يمكن له أن يقفَ على الحيادِ لأنَّ الوطنَ هو القضيَّة. الشعر والوطن يعيشان في حُبٍّ دائم، ويمتحنان هذا الحبّ بطُرُقٍ عديدة تمتدُّ من نداء الواجب في المواقف الصعبة حتَّى الشجار الجميل في لحظات العتاب: هُمْ علَّقوكَ على السحابِ شعارا وأنا غرستُكَ في الترابِ بِذارا وحفرتُ فيكَ فكُنْ شفيعَ معاولي حين التراب يعاتبُ الحفَّارا أتضيقُ إنْ طاشتْ سهاميَ مَرَّةً ولكمْ حرستُكَ بالسهامِ مرارا دَلَّلْتُ في نغمي هواكَ كأنَّني (نيسانُ) وَهْوَ يدلِّل الأزهارا دَعْنِي أُثّمِّنْ بالشِّجارِ محبَّتي أغلى المَحَبَّةِ ما يكونُ شِجارا وطني..تشاغبُني عليكَ عناصري كالعَظمِ حين يشاغبُ الجزَّارا ما لم يقلْهُ (النحوُ) أنَّكَ (فاعلٌ) (رَفَعَتْهُ) أذرعةُ الحياةِ منارا ولعلَّ أستاذَ الخرائطِ حينما رسمَ الخطوطَ وحدَّد الأمصارا لم يدرِ أنَّكَ لا تُحَدُّ برسمةٍ كالشمسِ وهي توزِّع الأنوارا