بعد ما تطرقنا له في اخر مقالة بعنوان «كود البناء» ، سنبحر في عالم «الاستدامة» وتعريفها بايجاز ، وتوضيح احتياج مجتمعنا لمثل هذا الأمر الذي أصبح من أحد أهم الأمور عالمياً من ناحية استهلاك الطاقة والمواد والموارد ، و انسجام البيئة العمرانية مع الطبيعة المحيطة بها وارتباطها بكود البناء. الاستدامة هي ما تسمى ب «العمارة الخضراء» وهي عملية تصميم المباني بأسلوب يحترم البيئة المحيطة بحيث يساعد هذا التصميم من الحد من استهلاك الطاقة والمواد والاستفادة من مصادر الطاقة الطبيعية المتجددة ، ناهيك عن الحد أيضا من الآثار السلبية في المباني من خلال تعزيز كفاءة استخدام المواد والطاقة والفضاء المستخدم بها داخلياً وخارجياً ، وبالنظر للمباني القديمة في مجتمعنا نلاحظ أنها بشكل عام هي مبان محافظة على البيئة حيث ان المعماريين استخدموا الوسائل والطرق الملائمة للبيئة المحيطة بحيث انهم وفروا المناخ والجو المناسب باستخدام كتل معمارية كالأفنية الداخلية وأبراج الهواء (الملاقف) والمشربيات للاندماج بالبيئة المجاورة. ولتطبيق الاستدامة بالشكل الصحيح يجب الوضع بالاعتبار بعض المبادئ التي ترتبط مباشرة بهذا الأمر مثل : الحفاظ على الطاقة ويتم ذلك باستخدام مواد بناء عازلة حرارياً مناسبة للبيئة التي تضم المبنى للحفاظ على حرارة الفراغ الداخلي لها والبعد عن استخدام الزجاج الذي يهدر من الطاقة والتكييف الداخلي للمبنى ، دراسة فتحات نوافذ المبنى وتظليلها بكاسرات الشمس أو استخدام العناصر البيئية كالأشجار والنباتات ، استخدام ألواح توليد الطاقة الشمسية والمراوح الهوائية التي تحول الطاقات الطبيعية كالشمس والرياح إلى طاقات كهربائية للاستفادة منها ، الحفاظ على الماء والاستفادة منه بالشكل الأمثل وذلك بتدوير المياه المستخدمة وتنقيتها لاستخدامها بري الحدائق واستخدام مياه الأمطار وتجميعها هي نوع من ترشيد المياه التي ترتبط بالاستدامة مباشرة ، التهوية والإضاءة الطبيعية ويتم ذلك باستخدام التصميم وتوجيه المبنى باتجاه مناسب لذلك واستخدام بعض الكتل المعمارية الخاصة للاندماج بطبيعة الموقع، الاهتمام بالبعد الإنساني وملاءمة المبنى لوظيفته ومراعاة خصوصية الأفراد واحتياجاتهم المختلفة بالإضافة لتحقيق الفائدة لأصحاب الاحتياجات الخاصة وتوفير وسائل السلامة ومكافحة الحريق. «العمارة الخضراء» والمباني المستدامة ليست علما أكاديميا فقط ، ولا توجهاً نظرياً أو أحلاما ، بل إنها تمثل توجهاً تطبيقياً لممارسة هندسية واعية ، وهي مرتبطة مباشرة مع كود البناء في جميع النواحي الهندسية ، وتطلعنا لربطها بما هو موجود فعلياً على أرض الواقع بات هدفاً رئيسياً . مهندس معماري