تعد المباني الخضراء من أكثر الوسائل الفعالة للتوفير في الموارد وتقليل انبعاث غازات الدفيئة وتحسين جودة الحياة في المدن، إلا أن عائقا أساسيا يحول دون التطبيق الواسع لهذه الوسيلة، ألا وهو عدم اليقين المتصل بتكاليف البناء الأخضر. وقد حاولت بعض الأبحاث التي نشرت مؤخرا التعامل مع هذه المسألة. العمارة الخضراء هو مصطلح عام يصف تقنيات التصميم الواعي بيئيا في مجال الهندسة المعمارية. وهي عملية تصميم المباني بأسلوب يقلل استهلاك الطاقة والمواد والموارد مع تقليل تأثيرات الإنشاء والاستعمال على البيئة مع تنظيم الانسجام مع الطبيعة. العمارة الخضراء تعرف باعتبارها صممت وبنيت أخذا في الاعتبار عددا كبيرا من الجوانب البيئية، ابتداءً من التوفير في استهلاك الطاقة، وانتهاء باستعمال مواد أعيد تدويرها، والامتناع عن استخدام المواد السامة. ويتم إنجاز هذه الجوانب من خلال العزل الحراري للجدران، وتعظيم الاستفادة من الإنارة الطبيعية، واتباع آليات مختلفة للتوفير في المياه والكهرباء، فضلا عن استعمال مخلفات الإنشاءات المعاد تدويرها كمواد خام في البناء. ويمكننا القول إن الأهمية البيئية للبناء الأخضر حاسمة؛ إذ أن المباني تساهم في جزء هام من استهلاك المياه والطاقة، إضافة إلى انبعاث التلوث وغازات التدفئة كما أنها مستهلك كبير لمواد التعدين والمحاجر. وإجمالا، تكلفة الاستثمار الإضافي في المبنى، بسبب المكونات الخضراء (البيئية)، تزيد بنسبة 2-4 بالمائة أكثر من الاستثمار في المبنى العادي. ويحتل إجمالي الاستثمار في الطاقة (بما في ذلك وسائل التكييف والإنارة المختلفة) نحو 60 بالمائة من إجمالي الاستثمار الإضافي في المبنى. وفي مجال الطاقة، يعد العزل تحديدا؛ مثل الجدران الحرارية والزجاج المزدوج، المكون الاستثماري الأهم. وتفيد هذه المعطيات بأن البناء الأخضر لا يزيد بشكل جدي تكاليف البناء. لكن، وبسبب الاختلافات الكثيرة في مكونات المباني الخضراء، ويتعلق الأمر بالمواصفات الرسمية للعمارة الخضراء؛ إذ كلما ازدادت المواصفات صرامة، أدى ذلك إلى زيادة إضافية في تكلفة البناء. لكن، بما أن طرق البناء الأخضر تتطور وتتحسن باستمرار، فإن ذلك يؤدي إلى تقليل التكلفة. تم تأطير العمارة الخضراء من جانب أكبر من خلال مناقشة القضايا الملحة اقتصاديا وسياسيا في العالم. على نطاق واسع، تسعى العمارة المستدامة إلى التقليل من الآثار البيئية السلبية في المباني من خلال تعزيز كفاءة استخدام المواد والطاقة والفضاء. ببساطة أكثر، فإن فكرة الاستدامة، أو التصميم البيئي، هو ضمان أن تكون نشاطاتنا وقراراتنا لا تمنع الفرص عن الأجيال المقبلة. ويمكن استخدام هذا المصطلح لوصف الطاقة في التصميم المبنية والواعية بيئيا. ظهرت العمارة البيئية في الحضارات القديمة في صورة محاولة الإنسان للتأقلم والتعايش في بيئته. وتباينت صور هذا التأقلم من استخدام المواد المتاحة في البيئة المحلية في العمران مرورا بطرق استخدامها وانتهاء بالأساليب التي اتبعها للتعامل مع عناصر البيئة ومحدداتها من الأمطار والرياح والحرارة وضوء الشمس وغيرها. ففي مصر نجد أن إنسان الحضارات المصرية القديمة استخدم المواد المحلية وهي الطوب اللبن والبردي والأخشاب في منظوماتهم المعمارية الخاصة مثل مساكن العمال في حين استخدموا الأحجار الطبيعية ونحتوا في الجبال منظوماتهم المعمارية المقدسة مثل المعابد. ومن أهم مبادئ المباني الخضراء هو الحفاظ على الطاقة، فالمبنى يجب أن يصمم ويشيد بأسلوب يتم فيه تقليل الاحتياج للوقود الحفري والاعتماد بصورة أكبر على الطاقات الطبيعية فالمجتمعات القديمة فهمت وحققت هذا المبدأ في أحيان كثيرة. ان استخدام التصميمات التي تراعي البيئة مع استخدام التكنولوجيا المتاحة في أمريكا قد يخفض استخدام الطاقة بمقدار 70% في المباني السكنية و60% في المباني التجارية وذلك طبقا لتقرير المعمل القومي للطاقة المتجددة في كولورادو. وفي تقرير لقسم الطاقة في المملكة المتحدة عام 1988 اقترح ان يكون 50% من اعتماد المملكة في استهلاك الطاقة على الموارد والطاقات المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح والامواج والمساقط المائية والكتلة الحية، كما يمكن خفض استهلاك الكهرباء باستخدام الخلايا الشمسية الكهروضوئية والتي تنتج الكهرباء مباشرة من ضوء الشمس. ومع استخدام التكنولوجيا بجانب التوجة للإنتاج بالجملة انخفضت تكلفة الكهرباء الناتجة من الخلايا الشمسية بنسبة تصل الى أكثر من 90% منذ عام 1980 ومع استمرار انخفاض أسعار الخلايا الشمسية فان دمجها مباشرة في واجهة سقف المبني بدلا من لصق الواح شمسية منفصلة أصبح من الممكن تعميمه قريبا، فقد استطاعت شركة ألمانية (flachglas) من دمج الخلايا الشمسية في النوافذ الزجاجية نصف الشفافة والتي تمد المكان بالضوء المرشح أثناء توليدها للكهرباء. التحمس اليوم للعمارة الخضراء والمباني المستدامة له أصوله المرتبطة بأزمة الطاقة في السبعينات من القرن الفائت، فقد بدأ المعماريون آنذاك يفكرون ويتساءلون عن الحكمة من وجود مبان صندوقية محاطة بالزجاج والفولاذ وتتطلب تدفئة هائلة وأنظمة تبريد مكلفة، ومن هناك تعالت أصوات المعماريين المتحمسين الذين اقترحوا العمارة الأكثر كفاءة في استهلاك الطاقة ومنهم: وليام ماكدونو، بروس فول وروبرت فوكس من الولاياتالمتحدة، توماس هيرزوج من ألمانيا، ونورمان فوستر وريتشارد روجرز من بريطانيا. هؤلاء المعماريون أصحاب الفكر التقدمي بدأوا باستكشاف وبلورة التصاميم المعمارية التي ركزت على التأثير البيئي طويل المدى أثناء تشغيل وصيانة المباني، وكانوا ينظرون لما هو أبعد من هم «التكاليف الأولية» (Initial Costs) للبناء. هذه النظرة ومنذ ذلك الحين تأصلت في بعض أنظمة تقييم المباني مثل معيار (BREEAM) الذي تم تطبيقه في بريطانيا في العام 1990. ومعايير نظام الطاقة والتصميم البيئي (LEED) في الولاياتالمتحدةالأمريكية وهي اختصار ل (Leadership in Energy and Environmental Design)، وهذا المعيار الأخير تم تطويره بواسطة المجلس الأمريكي للبناء الأخضر (USGBC)، وتم البدء بتطبيقه في العام 2000. والآن يتم منح شهادة (LEED) للمشاريع المتميزة في تطبيقات العمارة المستدامة الخضراء في الولاياتالمتحدةالأمريكية. إن معايير (LEED) تهدف إلى إنتاج بيئة مشيدة أكثر خضرة، ومبان ذات أداء اقتصادي أفضل، وهذه المعايير التي يتم تزويد المعماريين والمهندسين والمطورين والمستثمرين بها تتكون من قائمة بسيطة من المعايير المستخدمة في الحكم على مدى التزام المبنى بالضوابط الخضراء، ووفقاً لهذه المعايير يتم منح نقاط للمبنى في جوانب مختلفة، فكفاءة استهلاك الطاقة في المبنى تمنح في حدود (17 نقطة)، وكفاءة استخدام المياه تمنح في حدود (5 نقاط)، في حين تصل نقاط جودة وسلامة البيئة الداخلية في المبنى إلى حدود (15 نقطة)، أما النقاط الإضافية فيمكن اكتسابها عند إضافة مزايا محددة للمبنى مثل: مولدات الطاقة المتجددة، أو أنظمة مراقبة غاز ثاني أكسيد الكربون. ويوجد في الدول الصناعية الكثير من المباني الكبرى التي تجسد مفهوم العمارة المستدامة الخضراء التي تقلل من التأثيرات على البيئة، ومنها مبنى برج المكون من (48 طابقاً) في ساحة التايمز في نيويورك، وهو مصمم بواسطة (فوكس وفول معماريون). إنه يعد أحد الأمثلة المبكرة التي طبقت مبادئ العمارة المستدامة الخضراء في مبنى حضري كبير، وقد استعملت فيه تقريباً جميع التقنيات التي يمكن تخيلها لتوفير الطاقة. فقد استخدم المبنى نوعية خاصة من الزجاج تسمح بدخول ضوء الشمس الطبيعي وتبقي الحرارة والأشعة فوق البنفسجية خارج المبنى، وتقلل من فقدان الحرارة الداخلية أثناء الشتاء. وهناك أيضاً خليتان تعملان على وقود الغاز الطبيعي تزودان المبنى ب (400 كيلو واط) من الطاقة، وهو ما يكفي لتغذية المبنى بكل كمية الكهرباء التي يحتاجها ليلاً، بالإضافة إلى (5%) من كمية الكهرباء التي يحتاجها نهاراً. أما عادم الماء الحار فقد أنتج بواسطة خلايا الوقود المستخدمة للمساعدة على تسخين المبنى وتزويده بالماء الحار. بينما وضعت أنظمة التبريد والتكييف على السقف كمولد غاز أكثر من كونها مولدا كهربائيا، وهذا يخفض من فقدان الطاقة المرتبط بنقل الطاقة الكهربائية. كما أن اللوحات الموجودة على المبنى من الخارج تزود المبنى بطاقة إضافية تصل إلى (15 كيلو واط). وداخل المبنى تتحكم حساسات الحركة بالمراوح وتطفئ الإضاءة في المناطق قليلة الإشغال مثل السلالم. أما إشارات الخروج فهي مضاءة بثنائيات خفيفة مخفضة لاستهلاك الطاقة. والنتيجة النهائية هي أن المبنى يستهلك طاقة أقل بنسبة (35-40%) مقارنة بأي مبنى تقليدي مماثل.