كبقية الموارد.. يعاني الماء تسلط الإنسان، وأطماعه، واستهتاره.. ومن شجعه الذي لا يتوقف.. الماء يعاني، مثل أي فرد، الكثير من الأمراض.. والأعراض تدل على نوعية المرض.. هناك أمراض يسهل علاجها.. لكن في غياب التدابير الوقائية.. أو إهمال العلاج، تصبح بعض الأمراض، أوبئة قاتلة.. هكذا مع الماء أيضا.. نهاية المقال السابق، ورد أن الماء يعاني سوء الإدارة.. من سوء الاستخدام.. من الاستنزاف الجائر.. ومن الملوثات، التي تجعله فاسدا غير صالح للاستعمال.. ما هي الإجراءات التي اتخذت، حتى الآن، لحماية هذا الماء؟!.. الدفاع عن الماء هو دفاع عن الحياة.. يقودنا هذا، إلى السؤال المهم، الذي يحاول البعض تجاهله: ماذا عن التنمية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية ومستقبلهما مع الماء؟!.. موضوع يحتاج إلى فتح ملفات الحقائق، والنقاش، والتساؤلات.. لرسم ملامح المستقبل مع مورد الماء.. من يهرول في الظلام، ليس كمن يهرول في وضح النهار.. هل العبرة بالنهاية؟!.. النهاية المطلوبة هي بداية لنهاية جديدة.. التوقف، يعني نهاية لا تخلق بداية.. هذا هو الموت.. نحن نسعى لرسم نهايات صحيحة تخلق بدايات سليمة.. هذا طريق الاستمرار والاستدامة.. كنتيجة، على ماذا تدل التصرفات مع الماء خلال العقود الماضية؟!.. تكرار القول ليس عيبا، لكنه تأكيد على حقيقة تعاملنا (المشين) مع الماء.. نهدر المياه الجوفية، ثم في خطوة أخرى، نلجأ إلى تحلية مياه البحر.. أليس هذا قمة التناقض؟!.. نهدر المياه الجوفية، ثم نسعى إلى بناء السدود.. نهدر المياه الجوفية، ثم نلقي باللوم على قلة المطر.. تصرفات (متخبطة)... الإهدار ثقافة سيئة.. الإهدار ممارسة لا تنم إلا عن شجع.. وعن غباء بيئي مستفحل.. هذا اقل ما يمكن قوله.. مع استمرار الإهدار وتعاظمه.. نتساءل، لماذا كل هذه النتائج الوخيمة؟!.. هل نسعى إلى المستقبل بنفس توجهات الأمس واليوم، وممارسات الساعة؟!.. هناك خوف خفي محمول.. يسعى البعض لقذفه إلى المستقبل.. في تصرف لا يختلف عن تصرف طائر النعامة.. تخفي رأسها في الرمل، بينما كامل جسمها مكشوف للصياد.. الترقيع منهج يمارسه البعض مع الماء.. يهربون عن مشاكل اليوم برسم خطوط إنقاذ وهمية بمشاريع جديدة.. هي في واقعها استمرار للأخطاء والتناقضات.. في غياب التخطيط تسود إدارة الترقيع.. التخطيط يعني وضع أولويات في كل شيء.. هل فعلوا؟!.. الترقيع يخلق تضاريس ذات طبيعة متنافرة، يصعب التعامل معها.. هكذا الوضع في ظل اللجوء إلى التحلية والسدود كخيار استراتيجي، وسط مشاكل استنزاف المياه الجوفية الجائر؟!.. ندرك أن التحلية وسيلة مساعدة.. كاتبكم يعتقد أن التحلية ليست الحل الكامل.. ليست الحل الأمثل على المدى الطويل.. خيار التحلية يتطلب أمورا أكثر أهمية من الأموال الضخمة والتقنيات الحديثة.. في احد جوانبها، العقل، ومتطلبات الحماية.. هناك محاذير كلها رعب.. هل تصبح حياتنا رهينة لصناعة لها محاذير؟!.. العقل أهم من التقنيات والمال.. حتى الحضارة عبارة عن عقل.. ليست فقط إمكانيات تقنية ومالية.. هل أصبحت تحلية مياه البحر خيارا استراتيجيا في ظل استنزاف المياه الجوفية وإهدارها ظهيرة؟!.. سؤال كبير، هل يوضح غياب العقل عن الساحة؟!.. هل يثير الخلاف والجدل؟!.. وضعنا أنفسنا وأجيالنا القادمة أمام خيار صعب.. هل كنا نملك حق إهدار المياه على زراعة غير مستدامة؟!.. مازلنا مستمرين في إهدار الماء بطرق شتى.. أين العقل في شريط الترقيع؟!.. حتى الزراعة، كانت عملا عشوائيا.. كانت توسعا أفقيا هائلا، نتيجة لواقع الاندفاع والحماس.. لم يكن نتيجة لخطط وبرامج مدروسة.. هل ينسحب هذا على خصخصة المياه؟!.. زراعة حركها، ومازال يحركها حزمة من العوامل، أهمها: أسعار الضمان، والمعونات، والقروض.. أكثر من (100) مليار ريال ذهبت للقطاع الزراعي خلال اقل من عقدين.. ونتعجب عندما نعرف أن (70) مليار ريال ذهبت للقمح الذي استنزف أيضا المياه الجوفية ثم تراجع.. معلومات مهمة، هل نعتبرها جزءا من مؤشرات، لنوع المستقبل الذي نرجوه.. أوضاع مثيرة للقلق.. تجعل المستقبل أكثر خوفا.. أوضاع مائية وزراعية مرعبة.. ويستمر المقال.