مر خبر وفاة الداعية المناضل والشيخ عبد الرحمن السميط دون أن يسترعي اهتمام الإعلام العربي المشغول بالأحداث التي تعم الدول العربية هذه الأيام، وعلى رأسها القضية المصرية والتي حولتها مشاعر الغيرة على الدين لدى البعض وكأنها مواجهة بين المسلمين والكيان الصهيوني وليست خلافاً سياسياً على الحكم. شيء مؤسف ألا تتسع الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي لذكر رجل عظيم صنع بيديه إمبراطورية إسلامية في أفريقيا دون أن يحكم فيها وحقق بقيمه وأخلاقه ما لم تحققه أحزاب ومنظمات وجماعات تاجرت بالإسلام أو دخلت به في رهانات خاسرة. الشيخ السميط لم يسع لمنصب دنيوي بل وضحى بالمكانة الاجتماعية والمال وحتى صحته في سبيل تحقيق ما وعدت به حركات الإسلام السياسي وفشلت في تحقيقه فشلاً ذريعاً إلى الحد الذي أضرت فيه الإسلام والمسلمين. فإذا ما كانت حركات الإسلام السياسي كسبت تعاطفاً شعبياً بعد أن صورت نفسها وكأنها في حرب مع الصهاينة أو الشيوعيين أو الولاياتالمتحدة وحتى مع الليبراليين دون أن تحقق للإسلام والمسلمين إلا الدمار أو التشرذم أو العزلة ومزيد من الفقر وضياع الهوية، توفي الشيخ عبد الرحمن وقد حقق بإجهاداته الإنسانية أعظم الانتصارات للإسلام أمام كل تلك المعسكرات ..! ربما لا يعلم الكثيرون أن السميط بإيمانه بقضيته وإنسانيته فقط كان سبباً في اعتناق أحد عشر مليون افريقي للإسلام، وأنه أسس سبعة آلاف وخمسمائة مسجد في القارة السمراء وأكثر من ألف وثماني وستين مدرسة وجامعة ومركزاً إسلامياً وقبل ذلك وفر لملايين الفقراء المأوى والغذاء والعمل الشريف، بينما تسببت مغامرات تنظيم القاعدة في عزل وتدمير دول إسلامية بأكملها، فضلاً عن تشويه صورة الإسلام والمسلمين. وحينما وصلت حركة حماس إلى هرم السلطة في فلسطين واجهت نفس المصير الذي تواجهه اليوم حركة الإخوان المسلمين فكلتاهما لم تمتلكا برنامجا سياسياً واضحاً ينسجم مع السقف العالي للتوقعات التي رسمتها شعارات ما قبل الحكم، وانتهت الحكومتان بعزل الرئيس وتحول الموقف الداخلي نحو مزيد من التشرذم والعزلة، فيما تحولت حركة حزب الله نحو الاقتتال الطائفي في سوريا. وعلى الرغم من اختلاف أشكال وأيدلوجيات الحركات الإسلامية إلا أنها تجتمع على إغفال حقيقة خوضها صراع هوية وليس صراع حكم، فتمسكها بمكتسباتها السياسية التي أتيحت لها فجأة على حساب التضحية بالأرواح - وبإصرار غربي مثير للاستغراب - ، أو الزج بمصير الدولة إلى المجهول من أجل الصراع السياسي لا يقدم للمسلمين شيئا خاصة وأنها فشلت في تقديم برنامج سياسي مختلف يتلاءم مع الشعارات التي كانت تنادي بها. وإلا لماذا لم تخرق حركة المقاومة الإسلامية حماس بعد وصولها للحكم معاهدة الرئيس الراحل ياسر عرفات أو تُقدم على ما كانت تطالبه به، وخلال حكم حركة الإخوان المسلمين في مصر كانت (الجماعة) حريصة على تأكيد التزامها بمعاهدة (السادات) التي راح ضحيتها يوماً ما باسم النصرة للإسلام، فإما أن تكون تلك الحركات فرّطت في هويتها للتمسك بكرسي الحكم بعد أن وصلت إليه أو أنها كانت قبل ذلك تستغل مشاعر المسلمين للوصول إلى الحكم فقط مع إيمانها بعدم واقعية مطالبها. أياً كان الجواب فإن الشعوب الإسلامية اليوم أحوج إلى جهود كبيرة في إبراز وتعزيز الهوية الإسلامية وتقديم رسالة إنسانية للعالم على طريقة الشيخ السميط رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته بدلاً من تحويل الإسلام إلى سلعة سياسية لكسب المشاعر على حساب المصلحة الوطنية وقيم الدين. Twitter: @mesharyafaliq