في كل سنة ننفض الغبار عن المصحف، ونحاول جهدنا أن يكون شهر رمضان هذا أفضل من السابق في تواصلنا مع القرآن الكريم، نستمع لكثير من الاقتراحات والبرامج والتجارب، بعضها جماعية وأخرى فردية، بعضها تصل إلينا عبر الفضائيات وأخرى عبر الواتساب وثالثة عبر الأصدقاء، بعضها يتم عبر لقاء أسبوعي، وأخرى عبر لقاء الكتروني، ومازلنا في كل سنة نحاول أن نصل لفهم أفضل وتواصل أقوى مع القرآن الكريم، والواقع أن خيبات الأمل دائما تكون هي النتيجة في نهاية هذا الشهر الكريم. نتحدث كثيرا عن التدبر والتفكر في آيات الله، صرنا نعرف جيدا أن المراد منا ليس القراءة الحرفية فقط، بل يجب أن نتأمل في المعاني، لكننا حين نعزم على ذلك نجد أننا لا نستطيع، فنلجأ إلى السؤال المعهود، ما أفضل كتب التفسير؟ وننتقل من التدبر المباشر للقرآن إلى اتخاذ وسيط متدبر ونأخذ منه ما أردت قوله ان إحدى أهم المشكلات التي تمنع الفرد من التدبر أنه لا يملك القدرة على ذلك خصوصا من الناحية النفسية، فهو اعتاد أن يقرأ القرآن بعقل الجماعة، فإذا حاول أن يتدبر القرآن بعقله الفردي وجد ذلك ممتنعا عليه. ليست القضية في أنه يجب أن نتدبر القرآن، بل في كيفية هذا التدبر. المعنى الذي أخذه من القرآن الكريم، فكأننا يئسنا من عقلنا فعبرنا إلى القرآن عبر عقل آخر، فننظر إليه بأسئلة وهموم غيرنا، أخذنا تجربته فعممناها علينا وعلى غيرنا، حتى صار التدبر هو قراءة ما يستفاد من الآيات، ومعاني المفردات، ومعان استوحاها غيرنا من خلال قراءته. شخصيا شاركت في تصميم وإدارة كثير من البرامج التي تعتني بتحقيق التدبر وتعليم القارئ كيفية التواصل المباشر مع القرآن، على مدى أكثر من خمس عشرة سنة، وهي برامج منوعة من حيث المحتوى والمشاركين، كانت النتائج دائما محبطة، بمعنى أن المخرجات لا تحقق الأهداف ولا الطموحات، هناك مشكلة حقيقية في مفهوم التأويل والتدبر، وأعتقد أنها مشكلة جذرية وحلها لن يكون بتطوير الأساليب ولا بكثرة البرامج ولا بتحفيز الناس على التدبر وحسب، فالناس ترغب بصدق أن يكون بينها وبين القرآن تواصل في المعنى وليس في الترتيل فقط، وترغب أن تصل لمرحلة تستطيع فيها أن تتفاعل مع الآيات دون واسطة المفسر، لكنها دائما تصطدم بالواقع وهو أن النظريات المطروحة تجعل المفسر هو الواسطة دائما بينها وبين القرآن. أمرنا القرآن بالتدبر في آياته، والأمر موجه لكل فرد، فعلى كل قارئ ومن حقه أيضا أن يكون له أسلوبه في التعامل مع النص بما لا يخالف قواعد اللغة العربية، وسأركز هنا على مشكلة تتعلق بهذه النقطة، نحن في الواقع نقرأ بطريقة جماعية، بمعنى أن هناك فكرا إسلاميا سائدا، وتفسيرا للنص سائدا أيضا، هذا الفكر يتم تعميمه عبر المنابر الدينية والمساجد والتعليم والإعلام، فالفرد هنا يقرأ النص بعقل الفكر السائد وليس بعقله الفردي، فهو يستمع مثلا لمحاضرة للشيخ فلان، يطرح فيها خطابا إسلاميا وفتوى وتوجيهات، ثم يذهب إلى المسجد فيفتح المصحف ليقرأ صفحات من القرآن قبل الصلاة، فيجد ما قاله الشيخ في المصحف أمامه، فقراءته للقرآن أعطت كلام الشيخ و(الفكر السائد) مشروعية دينية، بينما العكس هو ما يجب أن يكون، أي أن يقرأ كل فرد القرآن ثم يستمع للخطاب الديني ويزنه بحسب فهمه للنص. ما أردت قوله ان إحدى أهم المشكلات التي تمنع الفرد من التدبر أنه لا يملك القدرة على ذلك خصوصا من الناحية النفسية، فهو اعتاد أن يقرأ القرآن بعقل الجماعة، فإذا حاول أن يتدبر القرآن بعقله الفردي وجد ذلك ممتنعا عليه. ليست القضية في أنه يجب أن نتدبر القرآن، بل في كيفية هذا التدبر، والبرامج التي تطرح في كل سنة ليست سوى آليات ولا معنى لتطوير الآليات إذا كانت المشكلة في فهمنا لمعنى التدبر، أي نظرية التأويل وكيفية القراءة. شروط المفسر التي نجدها في كتب أصول التفسير وعلوم القرآن هي للمفسر الباحث وليس كل قارئ هو (باحث)، والسؤال هو ما الآلية التي يستطيع كل قارئ أن يقرأ بها القرآن الكريم؟، الرجوع للمفسرين هو أمر طبيعي، فلكل فن علماء، ولكن لا يحق للعلماء أن يكونوا أوصياء، ولا أن يشكلوا حاجزا بين الناس وبين القرآن، وهذا ما نعاني منه، أي أن الأصل في القراءة هي القراءة المباشرة للنص القرآني وليس لكتب التفسير. ربما لم يقصد العلماء أن يكونوا أوصياء أو حاجزا، فهم مازالوا يحثون المسلمين على التدبر والتأمل في كتاب الله، لكنهم في الوقت نفسه يحذرون الناس بأنهم لا يعلمون كثيرا مما يؤهلهم للقراءة، ففقد الناس القدرة النفسية على ذلك، فالهيبة إذا زادت عن حدها صارت حاجزا لا يستطيع المرء تجاوزه. @alhasanmm