«أسائل نافذتي كم مضى والغيوم تمر بنا؟ تمر بنا فأراقبها وهي ترسم لي قدري في السماء البعيدة في كل يوم أراقبها وهي ترسم لي قدري من جديد أسائل نافذتي وهي تشهق نحو السماء إلام تظلين مثلي أليس لنا قدر غير هذا الخشوع» ماذا ينفتح في داخلك أو ينغلق وأنت تقرأ هذا من قصيدة للشاعر جودت فخر الدين؟ ماذا يدور في خلدك كما يقول القدماء؟ هل تعتبره أمرا عابرا أن شاعرا لبنانيا هو جودت فخر الدين يخاطب نافذته عن الزمن الذي مر عليهما معا والغيم يجيء ويذهب غير ملتفت للنافذة ولا لصاحبها؟. يخالجني ظن قريب من اليقين بأن الغيم له تلك الأحاسيس.. له فسحة الاختيار وله معرفة حدسية بالأرض التي تتفاعل معه.. تجادله.. تغريه بأن يمد إليها ما يملك من سخاء أخضرلا أظنك ترضى بهذا المعنى المتساقط من ظاهر الألفاظ تساقط الغبار.. بل ستحاول اقتناص المعنى الذي يتأجج في كل حي يمر عليه الغيم مصعرا خديه، مترفعا عن النظر إليه ضانا عليه حتى برذاذ قصير. هل للغيم الذي يعنيه الشاعر أحاسيس؟ هل له مساحة الاختيار بحيث لا يسلم لؤلؤه إلا لتلك الأرض التي مدت يديها حتى أمسكت به في أعاليه وأغرته بأن يهطل وكانت على أهبة كاملة بأن تحيل قطراته إلى أشجار؟ يخالجني ظن قريب من اليقين بأن الغيم له تلك الأحاسيس.. له فسحة الاختيار وله معرفة حدسية بالأرض التي تتفاعل معه.. تجادله.. تغريه بأن يمد إليها ما يملك من سخاء أخضر.. أما تلك الأرض التي يمر عليها دون التفات فهو يعرف انعدام قابليتها على تحويله إلى حقل. أما هي، أي تلك الأرض العقيم فستلبس ثياب النائحات.. ثم ترثي حظها وتوجه «كتائبها» إلى السحاب وقصائد هجائها إلى الغيم فهي لا تملك غير الحسرات غافلة أن عقم الأرض يعود إليها لا إلى الغيم. لماذا يضيع الغيم نفسه؟ لماذا يبدد حلمه بأن يتحول إلى ثمار.. حين يمر بأرض لا تعرف العشب.. لا بد له أن يمر مسرعا للقاء الأرض الأخرى التي تفهم لغته. ليكثر الأنين والنحيب والهجاء والبكاء.. فهذه هي مفردات الأرض العقيم والرجل العقيم والمرأة العقيم وكل شيء عقيم.. أليس كذلك؟ أراك تتلفت.. لماذا؟