مما لاشك فيه أن المنطقة الشرقية من أكثر مناطق المملكة أهمية نظراً لموقعها الاستراتيجي الذي تطل من خلاله على خمس دول خليجية أعضاء في مجلس التعاون إضافة إلى العراق، وعلى الخليج العربي بأهميته العالمية ليس باعتباره أكبر مكمن لاحتياطيات النفط العالمية فحسب، بل وموقعه الجيوسياسيي والاقتصادي كذلك، وتتعاظم أهمية المنطقة على الصعيد الوطني أيضاً فهي بالإضافة إلى احتوائها على المصدر الرئيس للدخل الوطني للمملكة فإن أرضها تحتوي في باطنها على العديد من الثروات المعدنية غير النفطية، أما فوقها فتوجد أكبر مجمعات للصناعات الكبرى التي هي عماد اقتصاد المملكة وصناعتها وتجارتها، وخاصة في مدينة الجبيل الصناعية ومدينة رأس الخير التي يجري فيها الآن وعلى قدم وساق بناء المصانع التي لا تقل أهمية عن مثيلتها في الجبيل الصناعية، إضافة إلى مينائها الواعد المتصل بالسكة الحديدية التي ستنقل إليه خامات الفوسفات من منطقة حزم الجلاميد في شمال المملكة، والتي سيتم استخدامها في الصناعات التحويلية من جهة، بينما يتم تصدير الجزء الآخر، وإذا أضفنا إلى ذلك التجمع السكاني الضخم الذي تشكله مدن المنطقة بكثافتها السكانية فسوف تتضح لنا الحاجة إلى الانتقال سريعاً إلى حيز التطبيق بالفكرة التي طالما كثر الحديث عنها، وهي إنشاء هيئة عليا لتطوير المنطقة الشرقية، بحيث تساهم هذه الهيئة في جعل المنطقة بيئة أكثر جذبا لمزيد من رؤوس الأموال المحلية والأجنبية، بل وجعلها وجهة للمستثمرين من أنحاء العالم، والانتقال بالمنطقة إلى آفاق أرحب من التطور الحضاري والاقتصادي والصناعي تتنافس فيها وبجدارة مع المراكز الحضارية والصناعية العالمية، التي لا تزيد عنها لا في الامكانيات المادية ولا البشرية أو الاستراتيجية؛ صحيح أن المنطقة عاشت منذ سنوات حتى الآن مرحلة بناء وتطوير مستمر تواكب مسيرة التنمية الشاملة المتوازنة التي تشهدها المملكة، ولكن ذلك لا يعني أننا حققنا ما نتطلع إليه، مع أنه يؤكد أن طموحاتنا يمكن إدراكها بمزيد من الجهود، ووجود هيئة عامة لتطوير المنطقة الشرقية تقوم بمهامها التطويرية والاستراتيجية والتخطيطية ومتابعة التنفيذ في كافة المجالات العمرانية والتجارية والصناعية والسياحية وغيرها، من شأنه تنسيق الجهود التي تقوم بها الجهات المعنية بهذه المجالات، ومن شأنه أيضاً تسريع الخطوات بما يضمن تحقيق تطلعات وآمال أبناء المنطقة في تعزيز مكانتها الحضارية والاقتصادية، وفتح آفاق للاستثمار والتوظيف الآمن للأموال في النافع والمفيد بعيداً عن المجازفة والمخاطر التي طالما تعرضت لها ثرواتهم ومدخراتهم. وفي هذا الاتجاه فإن من الأهمية بمكان أن يستفاد عند تشكيل هذه الهيئة من أهل الخبرة والتجارب والممارسات القيادية والإدارية من المواطنين، إضافة إلى المؤسسات والشركات التي تمتلك عقوداً من الخبرة في المجالات الاقتصادية والصناعية والاستثمارية، مثل أرامكو السعودية وسابك وغيرهما، كما ينبغي أن لا نغفل أهمية الاستفادة من الكفاءات البشرية في الجامعات وفي طليعتها جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وهي جامعة ركزت اهتمامها منذ نشأتها على تخصصات متلائمة مع الاحتياجات الآنية والمستقبلية المتوقعة لسوق العمل في المنطقة، وخاصة التخصصات الهندسية الدقيقة والتخصصات الإدارية والتقنية المعاصرة. إن قراءة متأنية لما تقدم تؤكد ما ذهبنا إليه، وهو ان الإمكانيات المتوفرة للمنطقة تشكل أرضية صلبة لنجاح الهيئة المنشودة وأهمية الدور المأمول منها. وإذا كنا قد تحدثنا طويلاً فيما مضى عن هذه الهيئة وإنشائها؛ فإن الحديث هذه المرة هو أكثر تفاؤلاً وأكثر واقعية وطموحاً مع تولي صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف، أمانة المسؤولية فيها، ورغبة سموه المخلصة بالانتقال بالمنطقة بخطوات تطويرية وسريعة في جميع المجالات، والأمل معقود بعد -عون الله وتوفيقه- على إرادة سموه الكريم.... ولن نقول إنا لمنتظرون بل وواثقون أيضاً أن هذه الهيئة لم تكن يوماً أقرب إلى الوجود مما هي عليه اليوم. والله من وراء القصد. [email protected]