يسألونك عن ابو ريما قل بعد أحداث «الحرس الجمهوري» وإراقة الدماء فيها تحت مظلة دينية، اتخذ ناصية رصيف اصم لكنه كريم لينثر دموعه عليها ويصيح بأعلى صوته يا أيها المتاجرون بالدين لا أعبد ما تعبدون لكم دينكم ولي دين . كلمات آمنت بها بعد ان رأيت الدين الطاهر يزج به في ملعب السياسة لتحقيق مصالح ضيقة لهذه الجماعة أو تلك. حاولت خلال الفترة الماضية أن اقرأ المشهد المصري قراءة علمية عميقة بعيدا عن التجاذبات الحزبية والاستقطابات السياسية المغلفة في الكثير منها بالدين وذلك من خلال مقالين. كان المقال الأول ( التحرك الأعظم ونهاية حكم الاخوان) يحاول أن يغوص إلى جذور الازمة المصرية من خلال استقراء تحليلي لقرارات الرئيس مرسي منذ توليه السلطة في 30 يونيو 2012 والتي أرى ويرى كثير من المراقبين للمشهد المصري انها كانت مستفزة مما أدى الى استنهاض المجتمع المصري من كافة احزابه وتياراته بما فيها القوى الإسلامية التى كانت مؤيدة للرئيس مرسي والمتمثلة بحزب النور ثاني أكبر القوى الحزبية في مصر وكذلك حزب مصر القوية والمتمثلة في المرشح الرئاسي السابق عبدالمنعم أبو الفتوح الذي صرح أكثر من مرة على فشل مرسي من خلال قراراته على احتواء الشارع المصري وطالبه اكثر من كانت هذه الخطوة المغلفة دينيا المكلفة بشريا المنزوع منها الإنسانية، يراد منها دفع الجيش إلى الدخول إلى خط الأزمة مباشرة والتورط مباشرة مع الإخوان وبالتالي تكون ورقة تأكيد أن الجيش قام بتدبير انقلاب عسكري ضد سلطة منتخبة. وعليه يتسنى للإخوان الحصول على دعم دولي لتدخلهم تحت ضغط الخوف من الحرب الأهلية. مما قد يساعد في ظنهم على إيجاد تسوية سياسية قد تعيدهم إلى السلطة أو حتى تؤمن لهم خروجا آمنا. مرة بالتعجيل إلى انتخابات مبكرة إلا ان غطرسة الرئيس مرسي اضطرته الى التمسك بالسلطة ورفض التعجيل بالانتخابات مبررا ذلك بمشروعية الصندوق التي يمتلكها. وقد ذكرت أكثر من مرة أن الفوز بالانتخابات لا يضمن مشروعية مستمرة في الشارع وهذا ما غفل عنه الرئيس المعزول مرسي وأن استخدامها «لمواجهة الشارع معناه إحداث شرخ في المجتمع بين المصوتين وغير المصوتين» وهذا ما حدث طوال فترة رئاسته. لم يستطع مرسي تجاوز معضلة المغالبة والصدام في إدارة الصراع السياسي الى المشاركة لتحقيق التوافق الوطني. وأعتقد انها مشكلة اغلب الحركات الإسلامية بما فيها حركة الاخوان المسلمين إذ أن سقفها الحقيقي ليس سقفا سياسيا وإنما سقف شعائري تعبدي وبالتالي إذا أردنا أن نتحدث بلغة هذه الجماعات فإنها لا تستطيع التحول من مستوى العقيدة والذي يكون الأصل فيه المفاصلة إلى مستوى الشريعة والتي يكون الأصل فيه التعايش والتوافق الاجتماعي والوطني . رأينا هذا واضحا في ثنايا خطابات مرسي وفي قراراته وفي ممارسته السياسية. هذه العقلية الصراعية الاستقطابية الصدامية فضت كافة التيارات المؤيدة له كحزب النور وحزب مصر القوية بالإضافة إلى عدم قدرته على احتواء القوى المعارضه كحركة كفاية و جبهة الإنقاذ و الجمعية الوطنية للتغيير و حركة 6 أبريل والتي توحدت كلها بانضمامها إلى حركة تمرد في حملتها للتظاهر لسحب الثقة عن الرئيس مرسي في ال 30 من يونيو ومطالبته بالإعلان عن انتخابات رئاسية مبكرة . فكانت المظاهرات المليونية التي ابهرت العالم كله في سلميتها ما اضطر الجيش في النهاية الى التدخل لعزل الرئيس مرسي والدعوة إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وقيام رئيس المحكمة الدستورية العليا بإدارة شؤون البلاد. دخلت مصر بعد نجاح هذه المظاهرات في عزل الرئيس مرسي الى حالة من الاستقطاب السياسي المغلف دينيا وترويج ما حصل بأنه انقلاب على الشرعية من قبل الجيش وعزل رئيس منتخب فكانت المقالة الثانية (مرسي وتنازع المشروعية) التي حاولت من خلال استقراء قانوني دستوري تأكد أن ما قامت به حركة تمرد وكافة التيارات الأخرى المعارضة للرئيس مرسي هو شرعي ودستوري وليس انقلابا كما ادعى الكثير على الشرعية. لكن سواء المؤيد لعزل الرئيس مرسي أو المعارض له هو عمل مشروع ما دمنا نتحدث داخل المضمار السياسي بل لا بد من التأكيد ان الاستمرار في التعبير بكافة الصور السلمية لمعارضة عزل الرئيس في رابعة العدوية أو غيرها يجب أن تكون ضمن اللعبة الديمقراطية . إلا أن ما هو غير مبرر ولا مشروع هو الانتقال من التظاهر السلمي الذي يكفله كما قلت الدستور إلى استخدام هذه القناة الشرعية للتحريض على العنف. وهذا ما استفاق الشعب المصري عليه و ما كان يحذر منه وما شاهدناه فجر أول من أمس من يوم دامٍ قتل فيه أكثر من 51 شخصا وأيضا أكثر من 435 مصابا فيما عرف بحادثة الحرس الجمهوري. حيث تمثلت هذه الحادثة في اشتباكات بين الاخوان والجيش وذلك بعد ساعات من تهديدات أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين بتحرير الرئيس المعزول محمد مرسي بالقوة. فبناء على بيان القوات المسلحة «بأن مجموعة من «الإرهابيين» من داخل اعتصام الإسلاميين في منطقة «رابعة العدوية» شرق القاهرة حاولوا اقتحام دار الحرس الجمهوري والاعتداء على القوات المسؤولة عن تأمينه من أجل إخراج مرسي، حيث يعتقدون أنه قيد الإقامة الجبرية بالدار». هذه الرواية وكما شاهدها الجميع عبر وسائل الإعلام كانت مدعومة بأشرطة فيديو أظهرت الإخوان يطلقون النار بأسلحة بحوزتهم وقنابل الملوتوف ضد الأمن والجيش. وقد سبقت هذه الحادثة كما قلت تهديدات تصعيدية من الإخوان ضد الجيش ممثلة في الخطاب الأخير للرئيس مرسي وتهديد المرشد العام للجماعة والتي مثلت نقطة الصفر لأعضاء الجماعة ثم لحقتها تصريحات حجازي وغيرها والتي كانت الشرارة للهجوم على مبنى الحرس الجمهوري. كانت هذه الخطوة المغلفة دينيا المكلفة بشريا المنزوع منها الإنسانية، يراد منها دفع الجيش إلى الدخول إلى خط الأزمة مباشرة والتورط مباشرة مع الإخوان وبالتالي تكون ورقة تأكيد أن الجيش قام بتدبير انقلاب عسكري ضد سلطة منتخبة. وعليه يتسنى للإخوان الحصول على دعم دولي لتدخلهم تحت ضغط الخوف من الحرب الأهلية. مما قد يساعد في ظنهم على إيجاد تسوية سياسية قد تعيدهم إلى السلطة أو حتى تؤمن لهم خروجا آمنا.