بعث الله تعالى الرسول المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم برسالة النور إلى الدنيا وجعله رحمة للعالمين، كما كان الأنبياء عليهم السلام، رحمة من الله لأممهم وأقوامهم، فجاء المصطفى رحمة للعالمين في كل مكان من الدنيا. ولن يكون الدين مشاعاً للناس، ولا الرحمة عالمية إلا إذا كانت الدعوة وسطية المنهج، لا إفراط ولا تفريط، تعطي لكل حق حقه، ويطبق منهج الله ويسود العدل في الأرض. وهذا ما قصده خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين، في كلمتهما إلى المسلمين بمناسبة بدء شهر الصوم الكريم. حيث أوضحا أن منهج الإسلام القويم وما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم يختلف كلياً بل ويتناقض مع ما تطرحه مجموعات فئوية متحزبة وتقدمه على أساس أنه هو الإسلام. لأن الإسلام أسمى وأكبر من أن يختزل في فئة حزبية أو شخص تخلع عليه التبجيلات والألقاب. ولا يوجد في الإسلام لا تأطير ولا تسوير ولا محصصات ومصادرته لحساب مجموعات أو أحزاب أو أيديولوجيات. لأن الإسلام هو الدين القويم الذي عم بنوره الأرض وجوانب الدنيا واستطاع منذ 14 قرناً أن يصمد أمام كل أنواع دعوات التحزيب والتأطير. وبقي دين الله منيراً مضيئاً شامخاً، فيما تلاشت الدعوات الحزبية وحركاتها، وبعضها عاش على هامش الحياة وغرورها. والغلبة في الأول وفي الأخير لوسطية الدين ولنقائه وطهره وفهمه وإدراكه كما بلغه الرسول المصطفى للناس وكما فهمه الصحابة وطبقوه ونشروه في أرجاء الأرض ودافعوا عنه بأنفسهم وأموالهم وأولادهم. وما كابد الصحابة، رضوان الله عليهم، المشاق والأخطار والمتاعب كي يسلموا دين الله إلى حزب يوظفه لغاياته وأهدافه وخصوماته السياسية، وإنما أرادوه كما عرفوه ديناً شامخاً لا يضيق بأناس ولا يقصر عن فهم، ولا تنضب رحمته وعدله ومثله الرائدة الرائعة الداعية إلى اخاء الناس وإلى إشاعة المحبة بينهم، والتسامح، كي تعمر الأرض بذكر الله وكلمته وعدله وأن تتعاون الأمم والشعوب على البر والتقوى وأن تتكاتف لمحاربة الإثم والعدوان والأمراض وحروب الكره والفقر. هذا هو الإسلام الذي نفخر به، وهو الإسلام الذي انتشر في أغلب أصقاع الأرض بلا حرب وبلا سيف، وإنما بالكلمة السواء العادلة. وهو الإسلام الذي سوف يرث الأرض ومن عليها، أما إسلام الأحزاب والتكييفات الدنيوية والفلسفية الضيقة، فهو وسيلة لن تدوم وتشويه لدين الله وتجنٍ على رسالة الإسلام العظيم.