لحملة الجوازات متممات لا غنى عنها. ذكرت في هذا الحيز قبل أيام أن تنمية الموارد البشرية تكلف الخزانة العامة للدولة ما معدله 1.1 مليار ريال يومياً، وقد لا تذهب هذه التكلفة إنفاقاً جارياً غير مسترد بل قد ترتقي لتكون استثماراً إذا ما أحسن توظيف هذا الكم الهائل من المال، لكن ذلك لن يحدث عفو الخاطر. ويمكن الجدل أن إنطلاق «حملة الجوازات» قبل نحو ثلاثة أشهر، وإن كان لاعتبارات أهمها ضبط العمالة الوافدة وإلزامها بتطبيق الأنظمة المرعية، إلا أن لها تأثيرا إيجابيا على تنمية الرأسمال البشري المواطن باعتبار أن سهماً مما ينفق لتنمية الموارد البشرية المواطنة (1.1 مليار ريال) يذهب سدى. وباعتبار أننا نُعَلّم ثم نُخَرّج أولاً لسوق «البطالة» وليس مباشرة لسوق العمل، وبيان ذلك أن كل خريج وخريجة يكابد إبان تخرجه نوعاً أو آخر من البطالة قد يطول أمده أو يقصر، والنزر اليسير من الخريجين «يسدح» وظيفة العمر وهو في الفصل الأخير من دراسته الجامعية.. وبالقطع لايوجد سبب يبرر تلك البطالة القهرية إلا المزاحمة والوفرة الهائلة من العمالة الوافدة والتي منها خريجون جدد يدخلون لسوق العمل في منافسة مباشرة مع الخريجين الجدد من المواطنين، والمنافسة حقيقية ومؤثرة باعتبار أن الخريج الوافد سيكون أقل تكلفة -عموماً- من الخريج المواطن! ما تقدم يبرر سؤالاً: هل ندرس ثم نخرج السعودي حتى ينخرط في الخدمة الالزامية عند «حافز»؟! وإلا لماذا لا يحصل الخريجون على عروض مغرية لوظائف وهم في الفصل الأخير من الدراسة، أي قبل تخرجهم، كما يحدث في الكثير من البلدان؟ تتعدد الإجابات، لكن من الصعب تبرير التعطيل الاجباري للخريج السعودي، أمر حرج في أهميته أن «تصوقر» الجامعة وظائف لخريجيها، ليس من خلال «الواسطات» والعياذ بالله بل من خلال جودة التعليم والبراعة في التسويق! ولذا، لابد أن تستحدث كل جامعة وفرع جامعة وكلية مجتمع وكلية تقنية مكتباً فعالاً لتوظيف خريجيها بل وكذلك لتوظيف من لم يتمكن من تكملة مشواره الدراسي ولتوفير فرص التدريب الصيفي والتعاوني والجزئي؛ فتلك من أهم مهام هذه المؤسسات، إذ لا يعقل أن نترك خريجينا بمفردهم في سوق عمل يعج بالمنافسين، فوقوف الجامعة بجانب خريجيها ومساندتها لهم حتى يجدوا عملاً سيحسن من قدرتهم التفاوضية للحصول على فرصة عمل قيمة. ويجب ألا يغيب عن ذهن أي منا أن توظيف الخريج وتدريب الطالب وتهيئته لسوق العمل هو مؤشر من مؤشرات النجاح الحرجة لأي مؤسسة تعليم ما فوق الثانوي، ويجب أن يحتسب عند تخصيص ميزانية الجامعات والكليات؛ فليست الكلية التي تخرج وتوظف مثل التي تخرج لشغل المقاهي والاستراحات! كما أن تكامل ثلاثية التعليم-التخريج-التوظيف يتجاوز تأثيره المؤسسة التعليمية والطالب وحتى الخريج ليشمل المجتمع برمته؛ فليس أمامنا كدولة وكمجتمع من بديل إلا كبح جماح البطالة فتكاليفها المباشرة قد تتجاوز 3 مليارات ريال شهرياً، ونحد بالتدريج من اعتمادنا على الموارد البشرية الوافدة التي تكلفنا 10 مليارات ريال شهرياً ويمكن تحقيق ذلك من خلال سياسة استقدام تستهدف وظائف محددة في نشاطات محددة ضمن قطاعات محددة وبأعداد محددة، وهذه لن تتحقق دون أن تشمر مؤسسات التعليم فوق الثانوي عن سواعدها وتنزل لمعترك سوق العمل فترتبط به ويرتبط بها ارتباطاً «مشيمياً» لا إنفكاك له أو عنه. تويتر: @ihsanbuhulaiga