الفوضى الفكرية والسياسية والاجتماعية التي نعيش فيها والتي تزداد ضراوة واتساعا يوما بعد يوم في كل العالم العربي.. ترى ما هي أسبابها؟ هل هي عدم قدرتنا على بلورة الشيء المشترك بيننا والاتفاق عليه؟ هل هي عدم فهمنا للتاريخ بصورة شاملة.. لا تقسيمه اشلاء وأخذ كل فريق منه ما يلائمه منها؟ هل هي هزيمتنا النفسية أمام القوة العلمية التي يمتلكها الآخر؟ هل هي تعليمنا العاجز عن ادراك انه لا يعيش في القرون الوسطى؟ هل هي الشتات الفكري الذي يشل ثقافتنا؟ سأجيب عن سؤال واحد من هذه الاسئلة تاركا للقارئ حرية ان يحذفها أو يجيب عليها بنفسه هذا السؤال هو: سبب الشتات الفكري الذي يشل ثقافتنا شلا. الشتات الذي أعنيه هو نظر كل فئة الى الشيء من زاوية واحدة والحكم بأن النظرة المنطلقة من هذه الرؤية هي الصواب ونكران وجود الزوايا الاخرى مما يسبب انعدام التنوع المفضي إلى الخصب.. وهذا داء قديم ابتليت به ثقافتنا منذ ولادتها. إن هذا الشتات أصبح الآن أضعافا مضاعفة فقد كان قديما ينشأ من تعريف ناقص أو تعريف ثابت بحيث يتطور المفهوم وهو لا يتطور معه.. أما الآن فقد انفتح باب هائل الاتساع أمام مفاهيم ومصطلحات تدخل ثقافتنا يوميا.. ونحن لا نملك لها تعريفا. فنحن ليس عندنا تعريف للديمقراطية.. وأعني بالتعريف «تحديد المفهوم الكلي بذكر خصائص الشيء ومميزاته» فلو سألت: ما هي الديمقراطية لانهالت عليك أجوبة لاعلاقة لها بالديمقراطية وأهونها أن نعرفها بما تجاوزه الزمن وهو مفهوم الشورى. كذلك هي العشرات من المفاهيم التي لا نضع لها تعريفا فيذهب كل من هب ودب لوضع تعريف لاعلاقة له بالمعرف. خذ مفهوما تراثيا مثل «الجهاد» مثلا هل تجد له تعريفا محددا؟ كلا.. فالتعريف الذي يضع للجهاد من يلبس حزاما ناسفا ويفجر نفسه في مكان يتجمع فيه العمال للبحث عن عمل.. هل هو تعريف أم خرافة عبثية؟