الخريف في فعاليات يوم الاستثمار والشراكات ل "اليونيدو" يؤكد ريادة المملكة الصناعية عالميًا    اقتصاد المملكة يواصل نموّه القوي    الدولار يتراجع متأثرًا بتعليقات المركزي الأمريكي    ليلة السقوط الآسيوي للاتحاد والأهلي    إنزاغي: تصرف نونيز طبيعي    القبض على مروّج قات    الجوف.. مواقع تاريخية تجذب الزوار    فيلق الإبل.. عبور الذاكرة وسرديات الهوية    الضويحي يدشن كتاب «مَرَات على طرق قوافل الحج»    117 دقيقة لأداء العمرة    زراعة أصغر منظم قلب لمولودة تزن 2 كجم    "حزب الله" يشيّع قائده العسكري وسط تزايد الضغوط لتجريد السلاح    محمد بن سلمان.. حين يكتب حضورُهُ فصولاً جديدة في السياسة والاقتصاد    خطة سلام أميركية - أوكرانية «معدلة» لإنهاء الحرب الروسية    «الداخلية» تدعم الجاهزية الأمنية في «الشمالية»    تحت رعاية عبدالعزيز بن سعود.. تكريم المتقاعدين من منسوبي الأحوال المدنية    ميسي يتألق ويقود ميامي لنهائي المنطقة الشرقية    في الجولة الخامسة لدوري أبطال أوروبا.. برشلونة يواجه تشيلسي في قمة كلاسيكية.. ومان سيتي يستقبل ليفركوزن    «عدالة التحكيم وتأخر التجديد في الهلال»    نائب وزير الخارجية يستقبل رئيس البرلمان المجري    البطالة المقنعة    تطبيق الGPS.. ماله وما عليه    تقويم التعليم تطلق الرخصة المهنية للمدربين    مديرة تكلف موظفاً بحل«واجبات ابنها»    إيداع مليار ريال لمستفيدي «سكني» عن شهر نوفمبر    المقناص.. هواية وتراث    عمار يا دمشق من غير إيكوشار    ضجيج اللحظة    أحمد السقا يستعد ل «خلي بالك من نفسك»    «إكس» تكشف الموقع الجغرافي لتعزيز الشفافية    "الشؤون الإسلامية" تسلم 25 ألف مصحف للمالديف    مختص: لا تأثير لبركان «إرتا آلي» على أجواء السعودية    الميكروبات المقاومة للعلاجات (1)    قطع غيار    تعزيز قدرات الاكتشاف المبكر للأعراض..«الغذاء»: ربط قاعدة التيقظ الدوائي بمنصة الصحة العالمية    تدشين مركز زراعة القوقعة في «سعود الطبية»    قرعة نصف نهائي كأس الملك تقام 30 نوفمبر في استوديوهات "ثمانية"    الأهلي يخسر أمام الشارقة في دوري أبطال اسيا للنخبة    البرهان يقاوم الحل الأمريكي    حقيقة ليلة منتصف النهار    إنقاذ فتى من رافعة شاهقة    فيصل بن خالد يُعلن أسماء الفائزين بجائزة الملك خالد لعام 2025    الهلال الاحمر السعودي بتبوك يرفع جاهزيته إستعداداً للحالة الجوية المتوقعة على المنطقة    الأرصاد تؤكد سلامة أجواء المملكة من بركان إثيوبيا    هطول أمطار رعدية على بعض مناطق المملكة من يوم غدٍ الثلاثاء حتى الجمعة المقبل    هيئة تقويم التَّعليم والتَّدريب تستعرض الرُّخص المهنيَّة للمدرِّبين في لقاء بجامعة أمِّ القرى    أمير تبوك يطلع على تقرير فرع وزارة الشؤون الإسلامية بالمنطقة    محافظ الطائف يقدم التعازي لوكيل المحافظة البقمي    جامعة أم القرى تحقق مراتب متقدمة في التصنيفات العالمية    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية ترصد ظهور النسر الأبيض الذيل    حين يكون العطاء لغة وطن    القطاع العدلي يواكب التحولات العالمية.. الصمعاني: الجودة القضائية ركيزة أساسية لجذب الاستثمارات    أسعار الطاقة ترفع استقرار تكاليف البناء    الناهشون في جسد النجاح!!    «الحج»:«نسك عمرة» منصة موحدة وتجربة ميسرة    117 دقيقة مدة زمن العمرة خلال شهر جمادى الأولى    553 مليار ريال أرباح قطاع التنقيب بأرامكو السعودية    العبيكان رجل يصنع أثره بيده    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخط الموازي...مقاربة بين مفهوم الثقافة وأزمة المشهد الثقافي المحلي
نشر في الحياة يوم 17 - 11 - 2009


مدخل
إذا كان فهم الكل منطلقاً رئيسياً لفهم الجزء والتعامل معه بوعي فهل يدرك المنشغلون بالهم الثقافي مفهوم الثقافة (الكل) إدراكاً يمكنهم من التعاطي من أي جانب من جوانبها بنجاح؟ سواء كان ذلك على مستوى إنتاج الثقافة لدى المثقفين أنفسهم أم قيادة الحركة الثقافية، وإدارة وتنظيم العمل الثقافية لدى القائمين على المؤسسات الثقافية.
سأحاول الخوض في تداعيات هذا السؤال بدءاً بالإشارة إلى الأزمة الثقافية التي نعاني منها مع تسليط الضوء على أبرز أسباب هذه الأزمة الثقافية، وهو دخول ما هو خارج الإطار الثقافي بالثقافة نتيجة اعتساف تعريفات الثقافة الشائعة، وحملها على ظاهرها، من دون الغوص في تفاصيلها، وإدراك ما وراء مفرداتها وبالتالي التطبيق السطحي والممسوخ لها.
وسأتناول أشهر تعريفات الثقافة وأكثرها شيوعاً بشيء من البحث والتحليل باعتبار أن سوء فهمها أحد أبرز أسباب أزمتنا الثقافية.
ثم سأعرج على إشكال سؤال «من هو المثقف؟» وما يكتنفه من ضبابية ناتجة عن سوء الفهم لتعريفات الثقافة الشائعة لأصل إلى بلورة مفهوم الثقافة في تعريف مقترح بصورة قد نكون بأمس الحاجة إليها على الأقل في هذا الوقت الراهن، لعلنا من خلال تداول هذه الرؤى والأفكار نكون أقدر على توجيه دفة العمل الثقافي نحو وجهته الأصح التي لا تكتفي بأن تكون شريكاً في التنمية، بل تقود عجلة التنمية الشاملة.
الأزمة الثقافية
يرى تيري إيجلتون في كتابه فكرة الثقافة أن الثقافة بطبيعتها ملازمة للأزمة، ويرى الدكتور عبدالرحمن منيف رحمه الله في كتابه «بين السياسة والثقافة» أن الثقافة تعاني من أزمة عالمية لا عربية فقط.
مع ذلك فإن المشهد الثقافي العربي وبالتالي المحلي يعاني من أزمة مضاعفة لوجود أسباب أخرى تسهم في تضخم هذه الأزمة كلما اقتربنا إلى الداخل.
ولعل أبرز هذه الأسباب أن المثقف العربي يفتقر إلى الدور الحقيقي الذي يمكنه من الاضطلاع بمهمة النهوض بمجتمعه، بخلاف المثقف في الأمم المتحضرة الذي تتوافر لديه ظروف لا تتوافر لدى المثقف العربي.
والسؤال هنا هل افتقاد المثقف لدوره الحقيقي لدينا سبب لهذه الأزمة أم أنه نتيجة من نتائجها؟
مع أنني أؤمن بتكامل العوامل المسببة لفقدان هذا الدور وتعاضدها وبالتالي تضخم هذه الأزمة الثقافية إلا أنني أرى أن المثقف المحلي يلعب دوراً رئيسياً في فقدانه لدوره.
فاستجابة عدد كبير من المثقفين إلى صراعات قادتهم إلى المهاترات الشخصية والدوران في حلقة مفرغة من المجادلات، هو نتيجة لعدم الإدراك الواعي لمفهوم الثقافة مما هيأ لجو التنافس أن يحول من دون جو التعاون المنتج لبيئة ثقافية صحية تحتضن حوارات فكرية جادة.
مفهوم الثقافة
من الصعوبة بمكان العثور على تعريف دقيق ومحدد لمفهوم الثقافة، بين عدد هائل من التعريفات التي لا تكاد تتفق إلا على أن من سمات الثقافة أنها تكتسب بالتعلم لا بالوراثة.
وتعدد أوجه هذا المصطلح ناتج عن عموميته وتداخله مع جميع شؤون الحياة إضافة إلى كونه من المفاهيم القريبة من الإنسان، والبعيدة عنه في الوقت ذاته، فيدخل في دائرة السهل الممتنع، بحيث يستخدمه الجميع وبثقة تامة، مع اختلاف المفهوم الذي يعبر عنه هذا المصطلح من شخص لآخر. بل لدى الشخص نفسه أحياناً والدليل على تعقيد مفهوم الثقافة وتمرده، ونزعة التحول التي تكتنفه أن المنظر الأكبر لفكرة الثقافة الانكليزي ريموند وليامز عرفها بعدد من التعريفات في مراحل مختلفة فهي في مرحلة مبكرة من تعريفاته فهي معيار للكمال، وطبع عقلي فردي، وتارة الفنون، وتارة حالة من التطور الفكري العام الذي يصيب مجتمعاً كاملاً، وطريقة حياة كلية لمجموعة من البشر، وهي أيضاً كل شيء بدءاً من الإنتاج الاقتصادي والعائلة وصولاً إلى المؤسسات السياسية.
فإذا عرفنا أن كل هذه التعريفات المتباينة تنسب إلى مفكر واحد، فلن نستغرب التباين الكبير بين عدد كبير من الفلاسفة والعلماء والمفكرين، في تحديد مفهوم الثقافة.
إلا أن أشهر التعريفات لمصطلح ثقافة هو التعريف الذي قدمه ادوارد تايلور سنة 1971 وهو «ذلك الكل المركب الذي يشتمل على المعرفة، والمعتقدات، والفنون، والأخلاق، والقانون، والعرف، وغير ذلك من المقدرات والعادات التي يكتسبها الإنسان بوصفه عضواً في المجتمع».
وأورد مالك بن نبي تعريفاً لرالف لنتون أحد مفكري الغرب المهتمين بالتنظير لفكرة الثقافة، وهو قوله: «كل تتداخل أجزاؤه تداخلاً وثيقاً، ولكن من الممكن أن نتعرف فيه على شكل بنائي معين، أي أن نتعرف فيه على عناصر مختلفة هي التي تكون الكل»، ما يمكننا الوقوف عليه بوضوح أكثر حول مفهوم الثقافة أنه يتراوح بين معنيين متباعدين، باتا ينفصلان شيئاً فشيئاً ليعوم كل منهما باتجاه معاكس. أحدهما المعنى الكلاسيكي والنخبوي، وهو الذي يحصر الثقافة في إطارها الضيق ممثلاً بالنتاج الرفيع للنخبة المميزة من أدباء وفنانين ومفكرين. والآخر المعنى الأنثروبولوجي الواسع المطاط، الذي ينطلق من منطلق العلوم الاجتماعية، وهو أكثر تعريفات الثقافة انتشاراً وتأثيراً في وقتنا الراهن، ويعد عند غالبية المثقفين التعريف الأنضج لمفهوم الثقافة، وهو الذي يعتبر الثقافة مفهوماً يمتد إلى جميع أساليب الحياة، التي يستخدمها مجتمع ما، أو جماعات ما داخل المجتمع في العلاقات ما بين أفراده. ولعل رواج هذا النوع الآخر من تعريفات الثقافة في الأوساط الثقافية له ما يبرره من عوامل، أبرزها ما له علاقة بطبيعة الثقافة وارتباطها بالحياة والمجتمع.
إلا أن التداخل الطبيعي بين الثقافة والمجتمع أدى إلى خفوت النوع الأول من التعريفات وبروز النوع الثاني، كمخرج لهذا التداخل، ما سبب هذا التحول في مفهوم الثقافة. فضلاً عن أن مفهوم الثقافة بطبيعته المتمردة لا يقتصر على التداخل مع مفهوم المجتمع. بل إن هذا المفهوم المعقد يرتبط ارتباطاً ما بمفاهيم كثيرة بات من العسير فك الاشتباك بينها. لعل أبرزها الطبيعة، فثمة من يرى أن الطبيعة ضد الثقافة مثل فرويد، وهناك من يرى أن إنسان الثقافة هو تطور لإنسان الطبيعة أو أن الإنسان رحلة من الطبيعة إلى الثقافة.
كما أن من إشكاليات مفهوم الثقافة تداخل مصطلح ثقافة بمصطلح حضارة. فثمة من يرى أن الثقافة تعني الحضارة ناسفاً صرخة المؤرخ الألماني الشهير شبنجلر بوجه الحضارة، الذي عدها نهاية الثقافة، كذلك متجاهلاً ما أثر عن عالم الاجتماع الرائد ابن خلدون في ما يعرف بخراب العمران.
فها هو سبّير يعرف الثقافة إجمالاً بأنها الحضارة من حيث أنها تتضمن العبقرية القومية.
كما يرى دنيس كوش أن الكلمتين (حضارة وثقافة) «تنتميان إلى الحقل الدلالي نفسه، وتعكسان التصورات الأساسية. قد يتم الجمع بينهما، أحياناً، ولكنهما ليستا مترادفتين تماماً، إذ تستحضر ثقافة، التقدم الفردي، وتستحضر حضارة التقدم الجماعي». كما يرى جان بيير فارني أن تعريف تايلر للثقافة ينطبق تماماً على الحضارة. وما يعنينا هو الالتصاق الوثيق لمفهوم الثقافة بمفهوم المجتمع، وإن بدا من السهل الفصل بينهما نظرياً. فهو من الناحية العملية يكاد يكون مستحيلاً. فالمجتمع - بحسب العلوم الاجتماعية - نسق من العلاقات المتداخلة التي يرتبط بها الأفراد بعضهم ببعض. فجوانب الحياة وأساليبها التي يكتسبها الإنسان بالتعلم لا بالوراثة هي التي تميز مجتمعاً عن الآخر، وهي التي يطلق عليها علماء الاجتماع مصطلح: ثقافة. بذلك برز مفهوم الثقافة الإنثروبولوجي واستطاع أن يجد طريقه لتسيّد الموقف.
* رئيس نادي حائل الأدبي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.