في احتفالية الوطن، بمهرجانه الكبير، كان المشهد مهيباً.. لم يكن القائد الرمز، وهو يدشن انطلاقة الجنادرية 26، فقط يرعى مناسبةً عاديةً، لكنه كان يستدعى كل قوافل التاريخ، التي جرت يوماً على هذه الأرض، وخطّت بتراثها، ما لم يستطع الزمن أن يقهره، أو يخفيه، أو يمحوه. فالتاريخ لم يكن مجرّد خيمةٍ في الصحراء، أو بيتٍ من الشعر، أو فنّ من فنون "السدو" أحد أقدم الحرف التقليدية في شبه الجزيرة، التي تعطي صورة صادقة عن جهود الإنسان للتكيف مع بيئته الصحراوية وحسن استغلال مواردها الطبيعية وتطويعها لصالحه، يعكس في لحظة نادرة، كل معاني الكفاح الإنساني للتأقلم مع البيئة القاسية والانتفاع بما تجود به تحوّل دون أن يغفل أصالته ليصبح في سنوات أشبه ما يكون بمعجزة عمرانية واقتصادية تحققت على هذه الأرض.. شملت البشر والحجر. عبر معاصرتي، لرحلة مهرجان الجنادرية في سنواته المتتالية، لم يعد المهرجان مجرد وعاء تاريخي، نستمطر فيه حكايا الجدات الأوائل، لكنه أصبح إناءً جامعاً يعتبر إحدى نوافذنا على العالمفي كثير من اللحظات، تأملت تلك الوجوه السمراء، وغيرها من الوجوه التي تحضر المهرجان، وضيوفه وشخصياته المتعددة الألوان والأفكار والثقافات، وأعدت استقراء كيف أننا أمّة لم تهرب من تاريخها، لم تفرّ، أو تتجاهل، أو تستنكر، في وقت، هرع فيه كثيرون، لمحاولة محو آثارهم. عرفت أن صانعي التغيير هم وحدهم من يحسنون قراءة ماضيهم، بسلبياته وإيجابياته، وأدركت جيداً، كيف تشكل الوجدان السعودي المعاصر، بكل أبعاده المختلفة، وقناعاته المتعددة، تلك التي تستمتع بفنجان القهوة القديم، وتعتز بالمحماس، والمزاود والكراكيش، بنفس الولع بالبيت الفاخر، والسيارة الحديثة، وطبق الاستقبال الفضائي.. إنها عملية استثمار التمدن، أو عناصر التحضر، وفي نفس الوقت التمسك بالإرث التاريخي الذي لا يعوض. عبر معاصرتي، لرحلة مهرجان الجنادرية في سنواته المتتالية، لم يعد المهرجان مجرد وعاء تاريخي، نستمطر فيه حكايا الجدات الأوائل، لكنه أصبح إناءً جامعاً يعتبر إحدى نوافذنا على العالم، كما أنه أيضاً أحد مرايانا المتعددة، التي نجح من خلالها خادم الحرمين الشريفين، منذ أن كان رئيساً للحرس الوطني، أن يجعل منه بعبقرية، أداةً فعالة، ساهمت في رحلة التنوير والتغيير التي أرادها وسهر عليها بعمقٍ ودراية.. وليتحول من مجرد مناسبة وقتية، ليصبح أشهر سوق عكاظ سعودي في العصر الحديث. تحولت الجنادرية، لتصبح عاصمة للتراث، وعنواناً للأصالة، وشعاراً للسعودي أمام العالم، وهذا وحده يكفي. تذكر!! تذكر يا سيدي أن الذاكرة لم تسقط ذلك الجيل "جيل التحدي" وتذكر أيضاً أن ما تراه من إنجازات هو امتداد لذلك الإرث الجميل. وخزة.. جميل أن نرى إنسانا مبتسما ولكن المؤلم أن تكون هذه الابتسامة تعبيرا عن وجعه