تحتل العلاقات السعودية التركية، في مجملها أهمية خاصة على المستويين الإسلامي والإقليمي، نظراً للأهمية الجغرافية والسياسية والاقتصادية للبلدين، بحكم تجربتهما الثرية في عالم اليوم. وفي ظل الأوضاع الإقليمية المتشابكة من حيث الصراعات وسياسات البدائل المتاحة في التعامل معها. لذا، ليس غريباً أن يكون «التوافق» السعودي التركي، الذي يصل حد الانسجام في الرؤى والأفكار مثار اهتمام الساسة والمحللين، انطلاقاً من كل هذه الأبعاد التي ترتكز على ما يملكه البلدان من علاقات دولية وثقل اقتصادي وسياسي مهم، ترفده عملية ناجحة لإدارة الحوار مع كل الأطراف دون حساسية أو تقاطعات. فالمملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين، نجحت في أن تكون قائدة العالم الإسلامي للاعتبارات الدينية والجغرافية، وما تقدمه من دعم وتأييد معنوي ومادي وديبلوماسي لكافة القضايا، وتركيا التي كانت قاطرة الشرق القديم، استطاعت في العقدين الأخيرين، استعادة بعض ملامحها التقليدية التي ابتعدت عنها قليلاً لفترة، قبل أن تجد هويتها وتحاول التوفيق بين الجذور والتطلعات. وإذا كانت تركيا تحاول في هذه المرحلة، تأصيل جذورها الإسلامية، وتقترب كثيراً مع السياسات العربية، مقدمةً نموذج حكم إسلامي، نجح في انتشال البلاد من أزماتها، يعيد للأذهان تجربة مهاتير محمد في ماليزيا، وكذلك التجربة الأندونيسية كأكبر دولة إسلامية.. فإن المملكة في صورتها الحديثة، تنطلق من قوتها ومكانتها دينياً وإسلامياً بحكم التشريف الإلهي، يرفد ذلك اقتصاد قوي، لا يمكن تجاهله، بمنطق الدولة الأكبر تصديراً للنفط، كل ذلك تدعمه تجربة سعودية حديثة للنهضة والإصلاح، يقودها الملك عبد الله بن عبد العزيز وسمو ولي عهده الأمين بسياسة تدعم الحق، وتؤكد الأصول، وترفض الابتزاز أو المساومة. وهنا نستدعي للذاكرة، الزيارة التاريخية التي قام بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، عام 2006 لأنقرة، باعتبارها أول زيارة لأرفع مسؤول سعودي لتركيا منذ 40 عاماً، لنجد أنها وضعت العلاقات بين البلدين في إطارها الصحيح واللائق، والتي تلتها عام 2009 زيارة للرئيس التركي عبد الله غل للرياض، لتبدأ تدشين مرحلة جيدة بين الرياضوأنقرة، انعكست إيجابياً على كافة المسارات الاقتصادية والسياسية والتجارية، بما يعطي زخماً إضافياً للعمل المشترك، وإضافة حقيقية للعلاقات بين الشعوب المنصف والمحايد، يرى أن المملكة وتركيا، يمكن لهما تقديم الحلول المثلى، وتوافقهما على الأقل، يخلق مناخاً جديداً، وربما يكون رسالة إقليمية لها مغزاها ولا يمكن تجاهلها أبداً.. فالبلدان إذا، من موقعهما، ومن هيبتهما التاريخية، يجدان نفسيهما بمنطق الأحداث، عنصري الفعل الأول، والمشاركة في رسم الأحداث، وتصحيح مساراتها بشكل قوي، بما ينعكس إيجاباً ليس على الشعبين السعودي والتركي فقط، ولكن أيضا على شعوب المنطقة العربية والعالم الإسلامي. إن زيارة سمو ولي العهد الأمير سلمان بن عبدالعزيز إلى أنقرة تأتي في هذا الاطار وفي سياق النجاحات المتتالية التي تحققها السعودية في المحافل الدولية ولتؤكد صدق المشاعر السعودية تجاه تركيا خاصة في ظل ما يدور في الشارع الاسلامي من منغصات.