سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
خادم الحرمين أكثر القادة العرب فهماً للحراك التاريخي في تركيا يسبر خفايا ما وراء استخفاف إسرائيل بالضمير العالمي .. الباحث في الشؤون التركية عبد الله الشمري :
يثري الباحث في الشؤون التركية عبد الله الشمري معرفتنا بمنجز السياسة التركية، إرهاصات وتداعيات قراراتها، وبعين الفاحص يمحص مآلات ما اقترفته قوات الاحتلال من استخفاف بالضمير العالمي، بل ومكتسباته الشرعية وتجاوزها بالاعتداء على أسطول الحرية، متوقعا أن الحدث، بتجريده، يشكل بداية لتغيير النظرة التقليدية للقضية الفلسطينية في أوساط النخب الأوروبية والدولية لصالح الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة. ويعمل الشمري أدواته التحليلية، في حديث ل«عكاظ»، واصفا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بأنه من أكثر القادة العرب فهما للحراك التاريخي الذي شهدته تركيا، مستدعيا في ذات المنحى، زيارة الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى تركيا في أغسطس 2006م، موثقا أنها نقلة استراتيجية في تاريخ العلاقات، وهي أول زيارة رسمية لملك سعودي لتركيا. ويعمق الباحث عبد الله الشمري رؤيتنا، بوصفنا متابعين، حول ما يكتنف الدور التركي الجديد تجاه الملف النووي الإيراني، إذ يرى أن المرامي التركية تتلخص في رفض حيازة إيران لسلاح نووي من شأنه الإخلال بالتوازن الاستراتيجي للقوى في المنطقة. وللوقوف على منظار الباحث التفسيري لما يعتمل في المنطقة من أزمات وكدمات سياسية، لنا أن نسبر رؤاه عبر هذا الحوار: • تواترت في وسائل الإعلام العالمية تداعيات حادثه الاعتداء على قافلة الحرية ومقتل تسعة من الأتراك، كيف ترى انعكاس ذلك على صورة إسرائيل؟ أهم ما أفرزته حادثه قافلة الحرية، هو أنها شكلت بداية لتغيير النظرة التقليدية للقضية الفلسطينية في أوساط النخب الأوروبية والدولية لصالح الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وإظهار الوجه القاتل لإسرائيل التي حولت، ولعقود، رسم صورتها وكأنها ضحية إرهاب مزعوم. كما كانت الحادثة محاكمة لإسرائيل إعلاميا، فالدولة العبرية بدأت تاريخها بدعم أوروبي لمجازر، ومارست دور السفاح ضد العرب شعوبا وأفرادا دون أي رادع، بحكم الحماية الأمريكية لها. ولعل من المفارقات التاريخية إن 4000 من الغزاة اليهود أبحروا في 11 يوليو 1947م من مرسيليا في فرنسا على السفينة (إكزودس) بهدف خرق الحظر الذي فرضته بريطانيا، وبعد اعتراضها من الأسطول البريطاني وقتل ثلاثة، تحول هذا الحدث إلى رمز لنداء العودة. أعتقد أن قافلة الحرية ستصبح رمزا لفك الحصار عن غزة، وهو لن يمر بسلام؛ لأن الجديد هنا أن الضحية تركي، وتركيا ليست دولة عربية ولن تتنازل عن دماء من قتلوا أبرياء وهم عزل في عرض البحر. • وماذا عن مستقبل العلاقات التركية الإسرائيلية؟ الرئيس التركي قالها صريحة «من المستحيل بالنسبة لي الصفح أو النسيان». • أما وقد حدث ما حدث، كيف ترون تأثير الحادث على العلاقات العربية التركية؟ منذ اعتلاء حزب العدالة والتنمية سدة الحكم في تركيا، أثبتت أنقرة وعلى جميع المستويات الرسمية والشعبية تأييدها للشعب الفلسطيني. وهذا عكس بوضوح التوجه الجديد والرغبة في تعزيز العلاقات العربية التركية على مناحيها كافة. وفي المقابل، فرئيس الوزراء التركي منذ 2006م أصبح ضيفا مرحبا به في القمم العربية. • ما تقويمكم للتفهم العربي للموقف التركي الجديد؟ تركيا استطاعت سحب الورقة الفلسطينية من إيران وحزب الله وحماس، ولكن للأسف، هذا التحول لم يفهمه العديد من رموز السياسة والصحافة العربية الذين ربطوا الموقف التركي تجاه غزة بموقف حزب العدالة والتنمية وعلاقته مع حماس. وهذا الربط غير صحيح، وهو نتاج إما عدم معرفه أو تحامل. وهذا يعود إلى ضعف قراءة التاريخ وقلة مراكز الأبحاث العربية المختصة في الدراسات التركية في الوطن العربي ، بالإضافة إلى ضعف التفاعل الشعبي مع تركيا وعدم فهم العقلية التركية. • منذ العام 2002م والحديث يدور حول الانبهار بالنشاط في السياسية الخارجية والدبلوماسية التركية التي لم تهدأ في التصدي لقضايا جوهرية، تعليقكم؟. يمكن تحديد أهم معالم السياسة التركية الجديدة في ظل حكومة حزب العدالة والتنمية من خلال كتب المنظر الأول للسياسة الخارجية التركية البروفيسور أحمد داوود أوغلو الذي أصبح وزيرا للخارجية في 1 مايو 2009م، وأهمها الإيمان بأن العوامل الدينية والحضارية والخلفيات التاريخية ستكون الأكثر حسما من العوامل الاقتصادية في تحديد موقف أوروبا من طلب تركيا الحصول على عضوية كاملة ضمن الاتحاد الأوروبي، وبالتالي فلن يسمح الاتحاد المسيحي بقبول دولة إسلامية داخله. لذا، سعت تركيا لخفض المشكلات مع الجيران إلى الصفر تمهيدا للقضاء عليها، فيما سعت إلى دور إقليمي أكبر، ولم تعد بلد رد الفعل. وبسبب وجود فراغ في الأدوار في المنطقة العربية، تشجعت أنقرة وطهران على الدخول في تنافس شديد لاستغلال هذا الفراغ وخدمة طموحاتهما الإقليمية. كما أن أحد الأسرار وراء تطور الدور التركي في الشرق الأوسط هو الاقتصاد والتطور المذهل في الصناعة التركية، إذ تجاوزت الصادرات التركية سقف ال150 مليار دولار عام 2009م بنسبة نمو تجاوزت 25 في المائة. • ولكن كيف تفسر الموقف التركي من الملف النووي الإيراني؟ فيما يتعلق بالدور التركي الجديد في الملف النووي الإيراني، فالرؤية التركية تتلخص في رفض حيازة إيران لسلاح نووي من شأنه الإخلال بالتوازن الاستراتيجي للقوى في المنطقة. ومن جانب آخر، فأنقرة ضد عزل إيران وحصارها منعا للتوتر في المنطقة. ومن وجه نظر خاصة، كان الموقف التركي تجاه التدخل في الملف النووي غير موفق، كما أن تصويت تركيا ضد قرار العقوبات سيجلب لها الكثير من المشاكل دون أي فوائد، ونتمنى من الحكومة التركية أن تكون أقل اندفاعا تجاه إيران. • وماذا عن الموقف الإيراني تجاه حادثه قافلة الحرية؟ إيران استغلت الموقف التركي بدهاء وأبرزته لتقارن به الموقف العربي الرسمي وتحاول إحراجه، ولذا يجب على تركيا الحذر من الاندفاع نحو إيران؛ لأن الإيرانيين كانوا السبب الأول وراء سقوط رئيس الوزراء التركي الأسبق نجم الدين أربكان بعد أن ورطوه وحزبه في المبالغة في الاحتفال بليلة القدس في سنجان إبان فبراير 1997م، ما أعطى الجيش مبررا للتدخل المباشر وإسقاط الحكومة. • هل سيمثل الدور التركي هاجسا يوما ما، وهل هناك مخاوف من ظهور حكم عثماني جديد بأدوات عصرية؟ بحسب جورج فريدمان، فتركيا دولة زعيمة رائدة بحكم طبيعتها، وهي قوه اقتصادية جبارة، ودورها المستقبلي سيتمحور حول نموذجها الثقافي، إذ ستتمكن من لعب دور قيادي أكثر تأثيرا في الشرق الأوسط بحلول العام 2040م. كما أنها ستكون ضمن أقوى أربع دول في العالم في العام 2060م. • كيف ترى العلاقات السعودية التركية؟ خادم الحرمين الشريفين كان من أكثر القادة العرب فهما للتغيير التاريخي الذي حصل في تركيا عام 2002م، فقام بزيارتين لتركيا. وكانت زيارته خلال شهر أغسطس 2006م نقلة استراتيجية في تاريخ العلاقات، وهي أول زيارة رسمية لملك سعودي لتركيا. وفي اختيار له دلالاته السياسة والخاصة، منح خادم الحرمين الشريفين جائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في مارس 2010م باعتباره أنموذجا للقيادة الواعية الحكيمة في العالم الإسلامي، ولدورة في خدمة القضايا الإسلامية وخاصة القضية الفلسطينية.