في الطريق إليه، انتابني العديد من الأفكار، فالرجل الذي بات أشهر دبلوماسي في مصر، عبر موقعه في وزارة الخارجية، كان بطلاً قومياً تغنى باسمه الجميع، وحقق شعبية جارفة عقب لقائه مع وزير الخارجية الإسرائيلي وعبر سياسات رأى فيها كثيرون تدعيما لموقف مصر الوطني والعروبي، واستقلالا حتى عن مواقف معلنة من رئاسة الجمهورية وقتها، وحتى بعد ما قيل عن «إخراجه» من الخارجية، استطاع كأمين عام للجامعة العربية، أن يفعّل هذا الكيان بقدر استطاعته، دون أن ينكر أن هذه المؤسسة، ما هي إلا واجهة لعواصم عربية، بينها توافقات وتقاطعات وأزمات، منها ما ظهر، لكن ما خفي كان أعظم.! أول ما تبادلنا المصافحة، كان في ذهني، أنني سأرى ذلك السيجار الذي اشتهر بتدخينه، أو أنه سيتحدث من برج عاجي، لكني فوجئت بكم التواضع الجمّ، والترحيب الشديد بنا في (اليوم) وابتسامته المعهودة التي لم تفارقه، حتى عندما وجهت إليه سؤالاً ربما يكون قد ضايقه، لكنه للانصاف، كان رحب الصدر للغاية، ولمّا طال الوقت لقرابة الساعتين، طلب بلطف أن يكون آخر سؤال، لكنه لم يمانع أبداً في أربعة أسئلة كان كل منها الأخير. في حي جاردن سيتي العريق، كان الموعد مع عمرو موسى، المرشح الرئاسي الأسبق، والأمين العام السابق للجامعة العربية، ورئيس حزب المؤتمر المصري، والقيادي بجبهة الإنقاذ .. الرجل الذي يقود المعارضة بنفس المهارة الدبلوماسية، دون تشنج، وانطلاقاً من ثوابت وطنية خالصة، لا تهدف إلا للبحث عن حلول للخروج من المآزق المصرية المتعددة، وما أكثرها. بلا مقدمات .. حين تكون وجهاً لوجه في حضرة شخصية كعمرو موسى، وتسأله، فإنك لابد أن تصغي بشدة، فمدلول الكلمات له أهمية كبرى، وإجاباته هي حصاد تجربة ثرية في عالم السياسة ودهاليز الدبلوماسية، وخبايا المعارضة، وأسرار الوضع الراهن، وقراءات المستقبل.. (اليوم) التقت بموسى، وكان هذا الحوار : سلبي ولكن؟ في البداية، كيف ترى الوضع المصري الآن؟ باختصار شديد، الموقف فى مصر سلبي جداً داخليا وخارجيا، اقتصاديا وسياساً، أمنياً واجتماعياً، لكن في نفس الوقت أرى أنه غير ميئوس منه، والعلاج وبوابة الخروج من كل هذا هو حسن إدراة الأمور، ويقتضي ذلك إعادة النظر في الأسلوب المتبع مع القوانين سريعة الاصدار، والعلاقة بين السلطات المختلفة فى الدولة وإحداث الترابط فى المجتمع، خاصة موضوع السلطة القضائية الذى ترتبط به مصالح الناس الذين يتابعون المعركة ويتعاطفون مع القضاة والحديث عن التعرض لضغوط وسياسات تؤدي إلى إبعاد الكثير من القضاة مثل تصريحات مسؤولي الجماعة بشأن الإطاحة ب «3500» قاضٍ وهذا لا يعتبر تطيهراً، بل «مقصلة». كيف؟ مصر تمر بظروف صعبة اقتصاديا، وهذه الظروف لن تتم معالجتها دون خطة واضحة المعالم، لأننا لا «نخترع العجلة من الأول»، نحن نتحدث عن أزمات بنفس الدرجة أو أقل أو أكثر، لذا من الضروري الاعتماد على الاستثمارات، وطمأنة رأس المال العربي والدولي عبر قوانين تشجعهم وتحمي حقوقهم. أصبحنا نعاني نقص القوانين التى تشجع الاستثمار، والفكر الذى يحارب السياحة، وتوقف عجلة الانتاج. كانت هناك عملية انتاج صاعدة وتوقفت مصانع بالعشرات ويقال: 3400 مصنع، وهذا معناه انه لا يوجد انتاج ولا تصدير ونعتمد كل شىء على الخارج ولدينا أزمة مالية طاحنة. يهمنا مصر ومن سوء الادارة انك لا تواجه بفاعلية احتياجات 90 مليون نسمة، ووسط كل هذه الأزمات نجد من يكفر الناس أو يخونهم أويفتيهم بالتوافه. عرضنا المشاركة داخل الحكومة، وتحمل المسؤولية مع الرئيس والمساعدة فى التشكيل الحكومي بترشيحات .. المعارضة «لم تقل لأ وبس» اقترحت على الرئيس حكومة وحدة وطنية لمدة عام لا تُقال ولا تستقيل ولا تجرى انتخابات، وتقرر الأولويات من ضمنها تفاوض صندوق النقد ومعالجة الوضع الاقتصادي، وفى نهايتها بعد استقرار الأمور، نقرر موضوع الانتخابات. أين النهضة؟ هناك من يرى ان هذه نظرة المعارضة.. فيما هم يتحدثون عن مشروع النهضة؟ (يضحك): اين مشروع النهضة؟ هل رأيت أو قرأت جملة مفيدة، حتى مشروع تنمية محور قناة السويس، وكنت قد طرحته منذ أبريل 2012 بتفاصيله، وطالما ان الحكومة أقدمت على هذا المشروع، فهذه خطوة محمودة، لكن يجب إعداد خطة شاملة، تصور واضح يأخذ فى الاعتبار كل المصالح والملفات والخدمات، وانا مستغرب جداً من ان تبدأ الجمهورية الثانية وليس لديها مشروع نهضة اقتصادية وإصلاحية.. ربما يكون هناك ونحن لا نعرفه.! لم يسمع أحد في المقابل .. ماذا فعلتم؟ وضع السياسة المصرية الحالي ومعارضتها وانتقاداتها أمر ملتبس، أنا شخصياً تقدمت بأكثر من فكرة، دعوت لتشكيل جبهة الإنقاذ فى مقر حزب الوفد، وأعلنت ان الأمر يقتضي تعديلات فى مشروع الدستور سلمتها بالفعل للأمين العام للجمعية التأسيسية آنذاك مادة مادة باسم المعارضة، ولما تم الضرب بمقترحاتنا عرض الحائط، كل المعارضة بدأت الانسحاب من التأسيسية، وللعلم أخطرت الرئيس انني سأنسحب إذا لم تناقش التعديلات بموضوعية، فانسحبت مع 51 عضواً من التأسيسية. اقترحنا وزارة وحدة وطنية أو وزارة ائتلافية أو وزارة طارئة، لأن تشكيل الوزارة الحالي لا يرقى لمستوى التحديات ومع ذلك لم يستمع أحد؟ لذلك رفضنا لكن المعارضة متهمة برفض الحوار؟ لم يكن رفضنا عبثياً، رفضنا احتجاجاً على طريقة توجيه الدعوة وادارة الحوار ودعوة العشرات دون جدول أعمال أو ضمانات للتنفيذ واتخاذ الأمر شكل مؤتمر عام وليس مائدة تفاوض. عرضنا المشاركة داخل الحكومة، وتحمل المسؤولية مع الرئيس والمساعدة فى التشكيل الحكومي بترشيحات.. المعارضة «لم تقل لأ وبس» اقترحت على الرئيس حكومة وحدة وطنية لمدة عام لا تُقال ولا تستقيل ولا تجرى انتخابات، وتقرر الأولويات من ضمنها تفاوض صندوق النقد ومعالجة الوضع الاقتصادي، وفى نهايتها بعد استقرار الأمور، نقرر موضوع الانتخابات، ولكني فهمت أنهم لا يريدون تغيير رئيس الوزراء أو أن يكون رئيس الوزراء مشاركا في السلطة بقوة أو يظهر كبديل، فاقترحت تولي الرئيس نفسه حكومة وطنية، جمال عبد الناصر رأس الحكومة عندما مر بأزمة وأنور السادات ومبارك كذلك، فما بالنا بالأزمة التى تمر بها مصر، للأسف، النظام رفض كل المقاربات، وتجنبها وتجاهلها، ووضعنا جميعاً في وضع خطير. كلام «فاضي» عفواً.. ولكن هناك من يتهم المعارضة وأنت منهم بأنهم يعارضون لفشلهم، أو لوجود ضغينة مع الإخوان؟ (يضحك بشدة): في السياسة لا ضغينة، ثم هذا كلام «فاض» دعني أعترف بأن المشير طنطاوي خلال فترة حكم المجلس العسكري، دعانى لرئاسة الحكومة، فقبلت انطلاقا من المسؤولية الوطنية، ولكن في اليوم التالي، أبلغني بأن هناك اعتراضا، وعلمت بأن من اعترض هم الإخوان، ولتجنب الصدام، جرى إقناعهم بالدكتور الجنزوري. كان من الممكن أن تدفعني هذه الحادثة إلى عداء مستمر معهم، لكني تعاملت مع الموضوع بشكل طبيعي وهادئ، وبعدها دعانا الرئيس، مع حمدين والبرادعي والبدوي وآخرين، وقدمنا كل بوادر التعاون، إذا أراد.. لكن الإعلان الدستوري أعاد كل شيء إلى نقطة الصفر، وكذلك التعجيل بالدستور وإصداره و «سلقه». لقد فعلنا كل شيء، لكن الرئاسة والإخوان لم يكونوا على استعداد لقبول أي شئ، وحتى لو سمعوا فإنهم يستمرون في مخطط السيطرة على مفاصل الدولة ضمن سياسة التمكين. قرار المقاطعة باعتبارك من «حمائم» المعارضة .. ماذا بشأن قرار مقاطعة الانتخابات؟ صدقني.. المعارضة لا تبحث عن الصدام، لكن نريد التوافق الإيجابي والحلول الجادة. قرار المقاطعة انتهى مع إلغاء الانتخابات التى كانت مقررة في أبريل الماضي، وفيما يتعلق بأى انتخابات مقبلة لم تتخذ جبهة الانقاذ قرارها بعد، فلا يوجد قرار بالمقاطعة من عدمه، لكن الأحزاب داخل الجبهة تدفع بقرار المشاركة ومن الصعب تجاهل الضغوط المقبلة بهذا الخصوص بشرط وجود الضمانات الكافية لنزاهة الانتخابات. نعم لدينا انقسام هذا يعني أن هناك انقسامات بالجبهة؟ هناك اختلافات في الرأي، وخلافات بشأن سياسات تطرح، لكن في المقابل هناك اتفاق على اننا لن نكسر جبهة الانقاد، مهما كان، ليس من بيننا من يريد كسر الانقاذ، المأمول والمنتظر والمتوقع ان ندخل الانتخابات وحدة واحدة، مع تحقيق أساسيات رقابة دولية، رصد دولي، اشراف قضائي، حياد فى السلطة، وهنا ستكون الفرصة ممكنة لأن تحقق المعارضة الأغلبية، أو على الأقل كتلة كبيرة، تجعلها شريكة فى التشريع.. ورأيي أن المقاطعة تكرس سيطرة الإخوان، وهذا ما يريدونه. الحياة أولاً ما رأيك فيما يقال عن تراجع شعبية الاخوان؟ صحيح جداً، شعبيتهم تراجعت، وهم يعلمون ذلك، ومنزعجون أيضاً. الغضب وصل إلى الريف وليس فى المدن فقط، ألتقي بكثيرين في القرى، صوّتوا للرئيس ومستحيل أن يعيدوا الكرّة. الإخوان اعتمدوا في حملاتهم على «الجنة والنار» .. الواقع اليومي، بات أكثر إيلاماً، لأنه يتعلق بالمعيشة والرغيف وأبسط مقومات الحياة، هناك فرق بين حقيقة أن العمل الصالح هو من يؤدى الى الجنة، لكن في المقابل حق الحياة الكريمة يعلو على كل شيء، لا حياة دون خدمات أو تعليم، أو صحة أو بيئة نظيفة أو أمل في المستقبل. نعم مقصرون .. ولكن هناك من يتهم الإنقاذ والمعارضة بالغياب عن الشارع؟ صحيح، لكن لا تقارن بين تنظيم عمره 80 سنة، وبين أحزاب وحركات أغلبها لا يتجاوز العامين، هناك تقرير قال: إن 32 بالمائة لم يسمعوا بجبهة الانقاذ، وأنا أصدقه، هذا ليس قصوراً، لكنه تقصير، وهذا ما نحاول تداركه وتعزيز الوجود بالشارع عبر مؤتمرات مقبلة فى محافظات مختلفة وبصفة خاصة في الريف والصعيد. دعها للتاريخ هناك من يتحدث عن صفقة لوصول الاخوان للحكم في مصر.. ما رأيك؟ وصول الاخوان للسلطة قصة طويلة عريضة، سيكتب فيها المؤرخون لاحقاً، وستظهر حقائق بالمستندات والوثائق، كما فى ويكيليكس، لكن انصح الآن بعدم الدخول في هذه التفاصيل، دعوها للزمن. لقد وصل الرئيس محمد مرسي للسلطة بالفعل وعبر صندوق الانتخابات. لم أكن محقاً وماذا عن تراجعك عن تأييد الانتخابات الرئاسية المبكرة ؟ للحق، كنت ضد الانتخابات المبكرة، لان البلد لا يتحمل في ظل هذه الظروف، لكن مع الحالة السيئة التى وصلت إليها مصر وتصاعد المطالبة الشعبية بالانتخابات المبكرة، أصبح من الضروري إعادة النظر فى الموقف، ولا مانع من أن أقول الآن: إنني لم أكن محقا في ذلك. إضافة للمعارضة كيف ترى حركة تمرد ؟ هل تعتقد أن نجاحها دليل على فشل المعارضة؟ لا بالعكس، بل اعتبرها إضافة للمعارضة، وترسيخا لها بطريقة سلمية ومبتكرة، هذه الحركة البسيطة عبرت عن الشارع المصري، وحملت نفس رسالة جبهة الإنقاذ، وكل الكيانات والقوى الثورية والسياسية. باختصار .. دعوة تمرد التي نجحت في جمع أكثر من مليوني مؤيد في أقل من 10 أيام، ليست مجرد مناورة للانتخابات المبكرة، لكنها دليل على ان الشباب يعيش حالة استياء لم تحدث أبداً خلال العقود السابقة. إساءة إخوانية وماذا عن اتصالاتكم مع حزب النور؟ نحن مع تواصل معهم، صحيح أنه لم يحدث تشاور في الآونة الاخيرة، لكن دون لقاء، أصبحنا نقول نفس الحديث، هذه الرسالة لم يدركها الاخوان بأن الجميع محبط، عشنا في وهم أن لدى الإخوان كفاءات وأهدافا ورعاية واهتماما بمصر، لكن اتضح العكس، لأنهم أعلوا الجماعة على البلد. هم لم يستوعبوا أن فكرة مصلحة الجماعة أولاً «هتجيب الجماعة الأرض»، الشعب المصري فى نجوعه وقراه لا يمكن ان يقر ذلك .. هم يقولون: الجماعة أولاً ونحن نقول: مصر أولاً. نحن لا يهمنا مستقبل الجماعة أو الاخوان، بل يهمنا مستقبل البلاد ونأمل في ان تصلهم هذه الرسالة، لو كان الاخوان أحسنوا التصرف، لتسيدوا الموقف، وآزرناهم،لكنهم أساءوا حتى لتجربة الحكم الإسلامي. لم يوفقهم الله بماذا تفسر سبب فشل الإخوان؟ سمه ما شئت، لكن في النهاية .. يبدو أن الله لم يوفقهم، لو كانوا وفقوا واستمعوا لصوت الشعب لحققوا النجاح وحكموا ليس فقط 4 سنوات، بل 8 أو 16 سنة. نحن كنا على استعداد لقبول حكم الاخوان القائم على الوطنية والإصلاح وإعادة البناء، لكننا للأسف لم نجد سوى الشعارات والكلام والاتهامات بالمؤامرة. أول فشل لهم أنهم لم يعوا فكرة المعارضة التي هي جزء من الشعب غير الراضي، بل جزء من النظام الديمقراطي. البلد انقسم، هناك من يقول مصر ستغرق «خليها تغرق وتخرج دولة جديدة ونخلص من اللي احنا فيه»، وهناك تيار آخر لا يوافق على أن يفشل البلد أبدا ولو اقتضى الأمر إنقاذ الحكم الحالي، وهذه وجهة نظر وطنية، إلا أنها على اقتناع بعدم كفاءة الحكم الحالي وضرورة إعادة النظر في طريقة الحكم. نعم هناك فشل فى الحكم، ولا تلوموا المعارضة، لانها أصبحت جزءا من بحر الغضب في كل مصر، والحكم كالجزيرة وسط بحر هادر من الغضب. مصر وإيران برأيك.. وأنت الدبلوماسي العريق، بم تفسر التقارب الإخواني مع إيران؟ من الضروري النظر إلى ذلك من منظور استراتيجي، أنا شخصياً ومنذ كنت وزيرا للخارجية، كنت أدعو داخل مجلس الوزراء ومع رئيس الدولة بإعادة العلاقات مع إيران، لاعتبارات الجغرافيا والإقليم ومعطيات الأمن الإقليمي، لكن بداية العلاقات لا تعني تناسي الخلافات، كنت ومازلت أعتقد أن إقامة العلاقات تعني ان نبدأ سريعاً في مناقشة الخلافات العالقة التي بين العرب وايران. مصر في سياستها يجب ان تكون سياسة عربية وليس فقط مصرية، فهناك مصالح عربية فى الأمن الاقليمي فى المنطقة ومصالح تتعلق بسوريا، وفيما يتعلق بلبنان والعراق، كل ذلك يجب ان تأخذه مصر على محمل الجد حين تقرر متى وكيف تتم إعادة العلاقات والأسس التي تتم طبقا لها، ويهمني هنا أن أؤكد أنني أتحدث عن علاقة بين مصر وإيران وليس الإخوان وإيران، فهذا الأمر الأخير لا يهم مصر والمصريين. لو كانت السياسة الخارجية فى يدي، فلابد من التأكيد على مصالح كل الدول العربية وخلافاتها مع إيران، وفي رأيي أننا أخطأنا كعرب. إننا لم نصر على إجراء تفاوض جماعي مع طهران، مثلما تفعل الدول الست الكبرى. ربما..! هل تشير بذلك إلى خلل في السياسة الخارجية؟ الاجابة المباشرة هي: ربما.. أرى ضرورة وجود سياسة خارجية، تعتمد على عناصر تتعلق بالعلاقات العربية ومستقبل العالم العربي والعلاقة مع دول الجوار، كل ذلك رقعة شطرنج وأحجار تلعب، بما في ذلك تقوية العلاقة مع ايران، وهناك خلل في التعاون الاقليمي، ثم أين بقية العلاقات المصرية؟ أين العلاقات مع الخليج مثلاً ؟ قلب طاولة أفهم من هذا أن التقارب المصري مع طهران قلب الطاولة؟ ربما، لست متأكدا بعد، لكن دعني أبحثه في إطار حسن النوايا، لكن هناك أيضا «الإخراج الخاطئ» مثلاً الامارات والسعودية لديهما علاقات مع ايران، كان يجب على مصر ان تدرك مع من تتحدث أولاً ؟ وترسل رسائل طمأنة للخليج بأن مصر حريصة على مصالح الدول العربية، وكان من المفترض ان تتحدث مصر مع المملكة والامارات على بدء مفاوضتها مع ايران، فالسياسة الخارجية ليست «قفشا».. يرتبط بذلك، حسن استخدام هذا الكنز من الخبراء فى وزارة الخارجية. «البتاع» العربي كلنا نرى الوضع المأساوي في سوريا .. كيف ترى هذه الأزمة حالياً؟ المسألة السورية عٌنونت وعٌولجت بطريقة خاطئة منذ البداية بمشاركة قوى عظمى وعربية وغيرهم. كان الاعتقاد ان ما حدث في سوريا امتداد «للبتاع العربي ده» «الربيع العربي»، وبالتالي هي مشكلة بين ثوار ونظام. أذكر إنني كنت فى لبنان ذلك اليوم أو بعده بأيام قليلة وتحدثت مع أحد كبار المسؤولين وقلت لهم: إن سوريا ستصبح مشكلة دولية فى ظرف أسبوعين، فهى ليست ربيعاً عربياً، فهي مشكلة تستدعي كل راسمي الخرائط الدولية والمؤرخين والكبار عرباً وغيرهم لتأمل مغزى الطموح الايراني والسياسة التركية والغياب المصري والفشل العربي وهشاشة الحدود، بالإضافة إلى الثورة في سوريا. تأمل: الوجود الايراني الثمين جداً على شواطىء البحر المتوسط، التواجد الروسي فى بعض الموانىء السورية، التماس الشيعي السني، العراق بكل مشاكله، الأكراد الذين اتضح أنهم بعد إضافي للمشكلة السورية، ثم البعد الفلسطيني الاسرائيلي، ومع ذلك نجد هناك من يتحدث عن «الربيع» العربي .. وكل هذا صحيح. الآن وفي الوقت الذي أتحدث فيه معك، يتضح ان المسألة السورية تتجه من صدام دولي إلى صفقة دولية تلعب فيها روسيا دوراً رئيساً، إضافة للدور الأمريكي لحلحلة الأمور هناك. ملامح الصفقة وما ملامح الصفقة؟ الفكرة تدور حول أفكار كوفي عنان، ووثيقة جنيف، ومنها وجهة النظر الروسية فى ضرورة ان يكون النظام السوري جزءا من المفاوضات والحل وإن كان ليس جزءا في المستقبل بالضرورة، وأعتقد أن الامريكان أصبحوا متقبلين ذلك على الأقل من حيث المبدأ أو أعطوا الضوء الأصفر وليس بالضرورة الأخضر. الصفقات موجودة بمناسبة تعبيرك «البتاع» هل ترى الربيع العربي لم يصبح عربياً.. أو مؤامرة؟ ليس بالضرورة، لكنه في كل الأحوال مسألة عربية. أما الصفقات والأصابع فموجودة سواء كان بالربيع أو الخريف، وليس بسبب ان هناك «ربيعاً» تدخلت الأصابع والمصالح الأجنبية.. أرجو ألا ننسى التاريخ والأوضاع القديمة. أين الجامعة سيدي.. وأين الجامعة العربية من كل ذلك، فهناك من يتهمها بأنها سلمت الملف السوري للأمم المتحدة، بمثل ما قيل عن تسليم الجامعة وقت أن كنت أمينها العام، ليبيا للناتو؟ (يبتسم بهدوء ورحابة صدر) : الوقوف ضد المجازر خلال الثورة الليبية كان تحولاً تاريخياً لمؤسسة الجامعة، إذ إنه لأول مرة، تقف المؤسسة الرسمية العربية، ضد أن يقصف النظام شعبه، لكن الأمور فلتت لأهداف أخرى بعيدة عن الجامعة العربية. العقيد القذافي لم يسأل وقال: «طظ فى الجامعة»، فيما طلبت دول عربية توفير منطقة حظر جوي لمنع قصف الابرياء، مع عدم المساس بالسيادة الليبية وعدم وجود أى عسكري أجنبي على الأرض الليبية والحماية الانسانية للمواطنين، ومع كل ذلك انتهت ولايتي، وترجم مجلس الأمن ذلك، بأنه لا يمكن توفير منطقة حظر جوي دون حماية عسكرية. هناك ثلاث دول عربية اشتركت طائراتها مع قوات الناتو. هل تتفق مع منح مقعد سوريا للمعارضة؟ أعتقد المقعد الفارغ لفترة كان أفضل، لكن ذلك كان قرار الجامعة، ربما كانت فى وضع حرج، والموضوع ليس سوريا فقط، لكنها مواضيع وترتيبات دولية تتعدى كل ذلك. طبعاً للأسف هل ذلك مقدمة لمشروع الشرق الأوسط الجديد؟ طبعاً، ولا تنسى أنه للأسف في ظل هذه الاحتمالية، سيكون هناك غياب مصري عن الخريطة الجديدة. كنت فى بيروت منذ أيام، وطالبت بأن نبدأ نحن العرب في ترتيب أمورنا بأيدينا، ووضع تصورنا للنظام الاقليمي العربي المقبل، وهذا دور الجامعة العربية، وأعتقد انها قادرة على القيام به، وأتمنى أن نستبق نحن الأمور كي لا نؤخذ على غرّة. دور سعودي هل توضح أكثر؟ القرارات المقبلة، روسية أمريكية وايرانية في الأساس، وتتوقف على مدى التوافق بين هذه القوى، وعلينا ألا ندفع ثمن الغياب العربي عن رسم ملامح الخريطة، وهنا أعتقد أن خادم الحرمين الشريفين والمملكة العربية السعودية، قادرة على قيادة التمثيل العربي بشكل أو بآخر، أو على الأقل ملء فراغ الضعف المصري، والإنهاك السوري، بما يحقق التواجد العربي في الإعداد للخريطة المقبلة، لأنه لا يجب أبداً وسيحاسبنا التاريخ إذا غبنا عن هذا المشهد. «مش وقته» كيف ترى العلاقة مع السودان في ظل تصريحات عن تنازل مصر عن حلايب وشلاتين؟ أعتقد أن مثل هذه الأحاديث، تأتي في غير وقتها تماما، ولا يصح الحديث فيها، وبلدنا في هذا الضعف الخطير الذي لا يستطيع فيه حتى الدخول في مفاوضات، وضعنا الصحي لا يسمح، على النظام الرشيد أن يدرس ملفاته بشكل جيد، يحدد فيه أولوياته واستراتيجياته، ولا يلعب في مواضيع حيوية مثل المياه والحدود وهو منهك وضعيف. فلول وخرفان ما رأيك فيما يُقال عن الفلول؟ وما صحة انضمام الفريق شفيق لجبهة الإنقاذ؟ أولاً: الفلول تعبير اخترعه الاخوان، والشباب اخترع مصطلح «الخرفان» والناس لم تعد تهتم بحكاية الفلول. لقد أصبحت مكشوفة، لأننا كلنا مواطنون لهم نفس الحقوق، وليس كل من عاش فى العهد السابق «فلولا» وإلا اتهمنا الدكتور مرسي والكتاتني وغيرهما من أعضاء الجماعة بذات التهمة، لأنهم كانوا فى مجلس الشعب وجزءا من التفاهم مع العهد السابق. أما عن الفريق شفيق، فالرجل لم يقدم طلب انضمام إلى الجبهة، ونحن ننظر إليه باعتباره مصريا، ولا يجب أن نغلق الأبواب فى وجهه، لكن يجب التوافق فى الجبهة، مثلما حدث مع الدكتور أبو الفتوح الذى طلب الانضمام، ولم يتم التوافق على طلبه. لا تنس أن شفيق أخذ فوق ال «12» مليون صوت، والفارق ضئيل بينه وبين الرئيس، فهل يصح بعد ذلك أن نصف قرابة نصف الشعب بأنه «فلول»؟ لحساب من هذا الابعاد والاقصاء «هو احنا بنلعب لحساب جماعة معينة بدل لحساب مصر». جولات وأسئلة أخيراً كدبلوماسي وليس كمعارض.. كيف ترى جولات الرئيس الأخيرة؟ أتابع تحركات الرئيس فى الخارج، وأرى انها مفيدة، وكنت آمل ان تكون فى اطار خطة للسياسة الخارجية ترسم على أساسها هذه الزيارات، مثلاً: لماذا يذهب إلى الخرطوم عاصمة السودان ولا يذهب إلى جوبا عاصمة جنوب السودان؟ كنت أرجو ان يزور أثيوبيا فى نفس الفترة، مثلا زيارة روسيا جيدة، وكذلك زيارة البرازيل، لكن لا نعلم نتائجها بالتحديد. الشفافية هنا مهمة.