الفارق ما بين المدبِّر والمبذّر هو إيمانهما -على التوالي- بهذين المقولتين: «اشتر ما تحتاج إليه وحافظ على ما لديك»، و «اصرف ما في الجيب يأتك ما في الغيب». من الطبيعي أن يرى الإنسان المدبِّر في المقولة الثانية سذاجة في أن الجيب دائماً ما يكون مليئاً بالمال وبأن الغيب كفيل بملئه عندما يصبح خاوياً، ولا أظن بأن المبذر له رأي نظراً لانشغاله بتبذير أمواله! من العيب أن يتحدث الفرد عن نفسه، لذا سيكون كلامي اليوم عن المبذرين. و التبذير في اللغة هو صرف الشيء فيما لا ينبغي، و كما يكون من الغني فإنه يكون من الفقير لأنه أمر نسبي. ما يهمني هنا ما يجلبه المبذرون من متوسطي الدخل وأقل لأنفسهم من مصائب دون قناعة بما كُتب لهم، تجدهم يستخدمون وسائل كثيرة للحصول على أفضلِ مسكن وأفخم سيارة و الاقتران بأجمل زوجة ، يتجهون إلى البنوك و الأفراد المقرّبين للاقتراض و يدخلون بسببها مصيدة الديون وطريق الهموم، فيقلّدون من هم أفضل حالاً منهم بالسفر في كلِ موسم، وإقامة الولائم بمناسبة وبدون، ويلبسون أغلى الماركات العالمية وتحوي منازلهم كماليات أغلبها غير ضرورية. أقول للمبذرين: لا تنتظروا من الغيب أن يمنحكم ثروة أخرى لم تتعبوا في الحصول عليها في ظل إساءتكم أشد الإساءة لثرواتكم الحالية، وللمدبرين أقول: إن نعتم المبذرين بالبخل .... فانعتوهم بالسفاهة! ربما يكون سبب التبذير أن يكون الفرد قد نشأ في أسرة مبذرة باذخة وأصبحت بالنسبة له قدوة مثلما قال الشاعر: وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوّده أبوه. وبعض من الناس قد يعيشون في حرمان لسنوات وعندما تتبدل أحوالهم يصعب عليهم الاعتدال فينقلبوا للنقيض. وقد يكون سببه التباهي أمام الناس، فينالوا ثناءهم واعجابهم، وقد يكون محاكاة الغير وتقليدهم حتى لا يوصفوا بالبخل، فينفقوا أموالهم كيفما اتفق. من صور التبذير الانشغال بهوس الأزياء حيث يذهب جزء كبير من رواتبهم في شراء الملابس الفاخرة، و المضحك أن لا أجسامنا ولا بيئتنا من طقس سيئ ومجتمع محافظ (أو محافظ عليه) تشجع على شراء هذه الملابس! أيضا السفر المستمر إلى الخارج حيث لا تطل إجازة طارئة و قصيرة إلا وتجد صفوف المسافرين متراصة في المطارات والحدود البرية، والنتيجة بعد عودتهم أن يعيشوا بقية السنة تحت طائل الديون ولا أدري أين هم من مقولة الرئيس الأميركي توماس جفرسون في أن «لا تصرف نقودك قبل الحصول عليها». لا بد لي من سرد مأساة صديق ربما توقظ بعض المبذرين من غفوتهم، حيث كان يمتلك حتى قبل عقد من الزمان عشرات الملايين من الدولارات و بسبب تبذيره غير المعقول أصبح -باعترافه- على الحصيرة. لم أستغرب الأمر فقد كنت شاهداً على بعض جنونه وخشيت عليه من هذه النهاية! كلمتان أخيرتان أوجههما للمبذرين والمدبرين على حد سواء. أقول للمبذرين: لا تنتظروا من الغيب أن يمنحكم ثروة أخرى لم تتعبوا في الحصول عليها في ظل إساءتكم أشد الإساءة لثرواتكم الحالية، وللمدبرين أقول: إن نعتم المبذرين بالبخل .... فانعتوهم بالسفاهة! تويتر: @nabeelalmojil