الرواية والقصة القصيرة فرق بينهما بعض النقّاد في تقسيمة جغرافية حملت نظرة تقلل من قيمة القصة القصيرة وتنسبها إلى «الدول الفقيرة» بينما تنسب الرواية إلى «الدول الغنية» ! ومع تراجع مستوى الإقبال على القصة في المملكة في مقابل تزايد الاهتمام بالرواية، نطرح هذا التساؤل لنكشف رفض القاصين والروائيين السعوديين لهذه الفكرة ولكن تحت مبررات متباينة .. طبقة الكاتب يقول الروائي والقاص حسن الشيخ: أعتقد أن الأدباء والنقاد اعتادوا أن ينظروا للسرد من النواحي الفنية والجمالية، لا من نواح اقتصادية بحتة. ولعل المقصود في سؤالكم أن الروائيين الفقراء غير قادرين على طبع نتاجهم الروائي، بينما استطاعوا طبع نتاجهم القصصي. وإذا كان هذا هو المقصود بالسؤال، فان الإجابة تكمن في السؤال نفسه. فمن يستطيع ان يطبع نتاجا قصصيا، فهو بالضرورة يستطيع أن يطبع نتاجا روائيا!. ويضيف: هناك أدب الأغنياء، وأدب آخر للفقراء. أي أن هناك من الأدباء من يكتب عن الأحياء القديمة والشعبية، وعن المساكين والمعدمين، ويصور مشاعرهم ومعاناتهم وأحلامهم. والبعض الآخر من الكتاب تخصصوا في الكتابة عن طبقة الأثرياء. وتصوير حالة البذخ التي يعيشونها، كما يكتب البعض عن طبقة الأثرياء. ويختم الشيخ قائلاً: عادة من يستطيع ان يكتب عن الطبقة الأولى، هو الأديب الفقير، ومن يستطيع ان يصور الطبقة الثانية الأديب الغني، أو الأديب الذي عايش الطبقة الغنية. وتعرف على أسرارها. تصنيف انتقائي فيما تختلف القاصة زهراء الحيدر مع الشيخ قائلة: لا أظن أن للمستوى الطبقي تأثيرا على المنتج الثقافي فباولو كويلو من كتاب الرواية المشهورين يتبع لدولة فقيرة. هي مسألة تصنيف انتقائي لا أكثر وليست له علاقة بالطبقية المالية. رأي متطرف وتؤكد القاصة ميادة الحفناوي أن القصة القصيرة أو الرواية أو القصيدة قد تخرج من رحم منزل فقير قابع في قرية صغيرة ليس لها نصيب من فضاء الاعلام والحضور السياسي والتأثير الكبير في المجتمع الانساني وتكون بهذا قفزة في الادب الإنساني والعالمي بالعموم، فالأدب لا يحد ببيئة غنية وبيئة فقيرة، بيئة متحضرة ويسبح دخان المصانع فوق رؤوس ساكنيها، الأدب أبن الإنسانية. وتضيف: هذا الكلام ينطبق كذلك على الرواية والقصة القصيرة، ألم يأتنا أمرؤ القيس من صحراء قاحلة وجرداء لم تعرف معنى الحضارة الحديثة ويخلد بأدبه حتى اليوم؟! ألم يقل لنا، نحن دول مجلس التعاون في الخليج العربي بأن الرواية لا يمكن أن تنجح في مجتمعاتنا لأننا مجتمعات محافظة وتقليدية لنفاجئ الجميع بعد ذلك بروايات تربعت على قمة الأدب العربي إن لم يكن العالمي لتترجم الكثير من هذه الروايات إلى لغات عالمية كثيرة فرواية عبده خال ترمي بشرر حصدت البوكر على سبيل المثال ورواية بنات الرياض لرجاء الصانع ضربت الرقم القياسي بالتوزيع والانتشار على مستوى العالم العربي والعالمي. وتختم الحفناوي: إن شئت عددت لك نماذج عديدة كان لها الحضور في ساحة الأدب وهي من مجتمعات فقيرة، فأبو الرواية العربية الحديثة نجيب محفوظ خرج من زقاق فقير ويوسف إدريس في القصة القصيرة خرج من نفس بيئة نجيب محفوظ، في ظني ما يطرح من بعض النقاد حول هذا الموضوع ليس أكثر من محاولة نقدية حاولت أن تعكس أثر البيئة في الأدب ولكن بشكل متطرف على حد رأيي. هناك ظروف وميول واتجاهات و قدرات متعلقة بالذات المبدعة، وتراكمها الثقافي والمعرفي وتكوينها الإبداعي هي المسئولة عن اتجاه المبدع إلى لون معين من الأجناس الأدبية موهبة فردية القاص والروائي صلاح القرشي قال: أرى أن الواقع يكذب مثل هذا الرأي، وهو مجرد كلام للاستهلاك ونحن نرى بأن هناك مجتمعات لا تصنف بأنها غنية و أنتجت الرواية بشكل ملفت فلدينا جبرائيل غارسيا ماركيز على سبيل المثال وهو القادم من كولومبيا لا تصنف البيئة التي جاء منها بأنها غنية ومع هذا استطاع أن يحتل مساحة واسعة في الأدب اليوم ولدينا على المستوى العربي نجيب محفوظ وهو كذلك من بيئة فقيرة ومع هذا هو واحد من أهم أدباء العالم. ويرى القرشي أن هذه المقولات التي تطلق وتصنف القصة القصيرة للمجتمعات الفقيرة والرواية للمجتمعات الغنية هي لا تستند إلى دراسات حقيقية وجادة في الموضوع و إنما هي مجرد رأي وكلمة تشيع دون أن يكون لها حظ من القابلية و التطبيق على أرض الواقع فالرواية أو القصة القصيرة ماهي إلا نتاج بشري وموهبة يمكن أن تكون في بلد فقير أو بلد غني. ويبين القرشي أنها مقولة أعيد انتاجها ولكن بشكل اخر «فقبل هذه المقوله طرحت مقولة أن الرواية بنت المدينة والقصة القصيرة بنت القرية، ولكن هذه المقولات اثبتت عدم صدقها وحضورها على أرض الواقع، مع التأكد على أن الكتابة شأن فردي ولا يمكن أن تخضع لمثل هذه المقولات». جغرافيا الأدب وتؤكد القاصة رباب النمر أن القصة القصيرة والرواية ليس لهما تضاريس توزع بطريقة رتيبة على خارطة الإبداع فنرتبها كما يرتب معلم الجغرافيا الأنهار والبحار على البيئات الطبيعية. فهناك ظروف وميول واتجاهات و قدرات متعلقة بالذات المبدعة، وتراكمها الثقافي والمعرفي وتكوينها الإبداعي هي المسئولة عن اتجاه المبدع إلى لون معين من الأجناس الأدبية، فضلا عن لحظة التجلي وقوة التدفق الكتابي التي قد تفرض على المبدع جنسا أدبيا بعينه. وليس من الإنصاف أن نحكم بولادة القالب القصصي في الدول الفقيرة وولادة القالب الروائي في المناطق الثرية. غنى الحرية القاص والروائي عبدالله النصر قال: أربكتني لغة السؤال كثيراً بخاصة في لفظتي (الغنى والفقر)، فحين أفهم أن المقصود بالغنى والفقر هو المالي، فلا أعتقد أن هذه المسألة تحكم الكتابة أبداً، فكم من الدول الفقيرة تملك من الكتاب الكثير، أمثال الأديبين السودانيين الطيب صالح وأمير تاج السر، والأديبين المصريين نجيب محفوظ، ويوسف زيدان.. والأديبين المغربيين الطاهر بن جلون ومحمد زفزاف، أولئك روائيون وكذلك هم قاصون، لم يحكمهم الوضع المالي في عملية إنتاج سردهم، فقد كتبوا بكثرة، بينما الذين هم في دول غنية مالياً مثلاً لم تكتب فيها الرواية إلا متأخراً!.ولم تصل للمستوى الكمي المطلوب للمنافسة. وكذلك لو أخذنا هاتين اللفظتين (الغنى والفقر) بمعنى الغنى والفقر في الأحداث، فليست أيضاً مصر والسودان والمغرب وتونس والجزائر والعراق وأفغانستان وإيران والصين والهند وغيرها من الدول بأقل أحداث من الدول الغربية التي تتمتع بكثافة الرواية فيها. ومن هنا أرى أن اللفظتين تعني ( الغنى والفقر) في مجال التعبير عن الذات، الذي أعتقد أنه الأمر الذي يعزز كثيراً من مسألة الكثرة والقلة في مجال فكري ما. لذا لدى الدول الغربية باعتبارها ترفع سقف الحرية إلى حد كبير نرى الكثير من الروائيين والروايات، بينما في غيرها من الدول التي ينخفض سقف الحرية فيها، تقل فيها الرواية ، فتغلق باب الحكي والتفكير والنقد بشتى أشكاله وإن كان روائياً، لذا لا تجد الرواية مساحة لبسط نفوذها في بعض الدول وإن كانت غنية مادياً أو غنية بالأحداث ومن هنا أرى أن الدول التي تفتقر لحرية التعبير، انتشرت فيها القصة القصيرة بكثافة إذ أن طبيعة سردها لا تتقبل بسط الأحداث والتوسع في تفاصيلها، إلى جانب كون سردها يسمح بالرمزية والإشارة والاستعارة والتلغيز كأمور تطفو بالأحداث الممنوعة إلى السطح..