أنا، بصراحة شديدة، ملتبس كالتباس مفهوم الاختلاط ذاته، خاصة وأن الطاسة ضاعت ما بين هذا المفهوم ومفهوم الخلوة. كنا نفهم أن الاختلاط لا غضاضة فيه طالما أنه يحدث بين أطراف متعددين يمثلون جماعة، إلى درجة أن المرأة كانت تركب سيارة جارها، مع نسائه وبناته وأولاده، وصولا إلى بيتها ولم تكن تتحرج من ذلك. وإلى درجة أن السوق، قديما وحديثا، يعج بزواره من النساء والرجال ولم نسمع بدواعي عزل أو فصل من أي نوع. وهناك درجة أعلى تتمثل في وقوف (بدوية) نشمية في محطة بنزين على الطريق لتعبئ سيارتها وتتبضع لبيتها. وأنا في النتيجة عكيت عكا في هذا المقال لأن الأمر من أوله لآخره عك في عك وما اختلط على الناس اختلط علي وعلى حروفي وأفكاري. ثم قالوا لنا إن الاختلاط الممنوع هو وجود نساء متبرجات في حضرة الرجال في مكان واحد، وقلنا إن ذلك قابل للنقاش، لكن ماذا عن وجود نساء محجبات في نفس المكان: هل يُحسبن على ظاهرة الاختلاط المرفوضة أم أنهن بريئات من هذه التهمة؟ ثم قيل إن وجود حاجز في نفس المكان بين النساء ينهي شبهة الاختلاط فقال الناس سمعا وطاعة، ليأتي بعد ذلك من يقول: حجزتوا أم لم تحجزوا الاختلاط وارد، فالنساء يدخلن ويخرجن من نفس الباب الذي يدخل منه الرجال وبالتالي فإن ما تفعلونه من (حجز) أو فصل هو ذر للرماد في العيون وتهديم لثوابت المجتمع. وحين اتخذت هيئات الأمر بالمعروف ووزارة العمل قرار (الجدار الفاصل) للبائعات لمنع الاختلاط، قيل إن هذا هروب من الحقيقة التي يعرفها القاصي والداني، لأن الأصل هو منع توظيف البائعات السعوديات.!! وأيضا، وفي مثال آخر حين تركب امرأة مع السائق فإن هذا لا يعد اختلاطا ولا خلوة بقدر ما يعد بديلا لقيادة المرأة للسيارة التي هي أصلا ممنوعة على النقاش والتفكر والتدبر. وأنا في النتيجة عكيت عكا في هذا المقال لأن الأمر من أوله لآخره عك في عك وما اختلط على الناس اختلط علي وعلى حروفي وأفكاري.