المثقفون في كل المجتمعات البشرية هم النخبة الحقيقية التي تقود الرأي العام «opinion leaders» ولا قيادة دون توازن بين الواقع والحالة الذاتية للمثقف، ودون سلوك ثقافي حقيقي غير شوفوني أو مزعوم لا يمكن أن يقود المثقف حتى نفسه، ويصبح عالة على الحالة الثقافية ويثقل كاهلها بحزمة إدعاءات وتناقضات بين السلوك والفعل الذي يواجه به الجمهور، ولذلك فإن المؤسسات الثقافية تكون نواة حاضنة للسيطرة على الدور الثقافي وتهذيبه وتطوير عملية الوعي العامة في المجتمع والتي يقودها المثقف الذي ينبغي ألا يفقد احترامه، وبدون ذلك يصعب عليه التأثير في الوسط الاجتماعي، ذلك وفقا لأقيسة المنطق والنظريات السلوكية في علمي النفس والاجتماع. الثقافة مثل غيرها من الأنشطة البشرية بحاجة الى القوالب المؤسسية التي يفترض أن تدعم الحراك الفكري والثقافي، بصورة متوازنة وواقعية، وللمفارقة حين يفقد المثقفون توازنهم ينسحب ذلك على النظام الاجتماعي في صيغة خلل بنيوي وهيكلي كبير للبنية الاجتماعية، ويكمن التحقق من ذلك من خلال التواضع الاتصالي بين المثقف والمجتمع، وغياب الدور الحقيقي والمؤثر للأندية والجمعيات الثقافية في الوسط الاجتماعي، حيث انحرفت الأندية بصورة عامة عن رسالتها هناك من أعضاء مجالس الإدارة والجمعيات العمومية من يشككون في نزاهة مجالس الإدارات تماما كما ذكر عبدالرحمن الموكلي عضو جمعية نادي جيزان العمومية إبان أزمة نادي جيزان الأدبي عندما صرح أن مشكلة النادي المالية تثبت، وللأسف، أن صراع المثقفين في غالبه يدور حول مصالح شخصية وليس على قضايا تخدم الثقافة والمثقفين، وأن الأهواء مقدمة على اللوائح والأنظمة الثقافية، وأصبحت تستوعب كثيرا من المشاكل التي تؤثر دون شك في زعزعة الثقة في المثقف وعدم حصوله على الاحترام الذي يليق به بوصفه قائد رأي، وبدأنا نسمع امتعاضا من المثقفين حول الآليات التي تسير هذه الأندية وفقها، وعدم قدرتها على توظيف الحضور الثقافي بشكل جيد، فظهرت بصورة المقل العقيم وغير المجدي، وهذه القاعدة لا تنطبق على الكل إذ أن هناك أندية تعطي وتنظم فعاليات ومهرجانات متألقة، والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا تمضي بعض الأندية بجانب الحائط وأخرى تقفز للأعلى؟ لاسيما أن هذه الأندية تحصل على الميزانية نفسها بالإضافة الى مبلغ المكرمة الملكية التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للأندية الأدبية، وتقدر بعشرة ملايين ريال! وهناك من أعضاء مجالس الإدارة والجمعيات العمومية من يشككون في نزاهة مجالس الإدارات تماما كما ذكر عبدالرحمن الموكلي عضو جمعية نادي جيزان العمومية إبان أزمة نادي جيزان الأدبي عندما صرح أن مشكلة النادي المالية تثبت، وللأسف، أن صراع المثقفين في غالبه يدور حول مصالح شخصية وليس على قضايا تخدم الثقافة والمثقفين، وأن الأهواء مقدمة على اللوائح والأنظمة. ذلك ينتقل بي مباشرة الى تلك الحالة المعلنة والمستترة من التراشق بالاتهامات وفتح نافدة للتساؤل حول ما إذا كان هناك فساد في الأندية الأدبية؟ لن أقول نعم حتى لا أبدو متجنية على هذا أو ذاك، وتدخل القضية نفقا شخصيا لا أقصده بكل تأكيد، ولكن لائحة هذه الأندية تنص على قيام الجمعيات العمومية بالمصادقة على الميزانية والحساب الختامي للسنة المالية المنتهية، وإبراء ذمة مجالس الإدارات والمصادقة على مشروع الميزانية للعام الجديد، وأيضا الموافقة على تعيين مراجع حسابات قانوني، وذلك بالطبع في حالة الأندية المنتخبة، ولا أعلم يقينا عن الوضع الإجرائي والهيكلي في حالة التعيين، وفي تقديري أن التشديد في التعاطي مع الأندية الأدبية في الشأنين المالي والإداري هو تصد للفساد الذي يتضاد مع مقتضيات النزاهة، ومجتمع المثقفين ليس ملائكيا منزها عن ارتكاب الخطايا، وباعتبار أن الأندية الأدبية ملاذ المثقف وبوصلة الوعي المعرفي والثقافي فلابد أن تتبرأ نظمها الإدارية من أي شبهات. الأندية الأدبية مؤسسات معنية بحضانة ورعاية الإبداع، ذلك ليس افتراضا وإنما ماهية دورها الأصيل والطبيعي في المجتمع، وهي مؤسسات نتجت لتطلعات النخبة الثقافية لجيل سالف كان له شرف التأسيس للفعل الثقافي في بلادنا، ووصولها الى حالة من الصراع والتهافت على مكاسبها يعزز فرضية وجود فساد لا يمكن التحايل عليه بلغة المثقفين التي يمكن أن تنتج مفردات وتشتق ألفاظا تتحايل على مفهوم الفساد، وذلك ما يتطلب إعادة النظر في إجراءات الشفافية وإلا فإن العمل الثقافي يصبح حرثا في البحر وكتابة على الماء والرمال، ولا صلة له بتطوير الوعي وتقديم المبدعين والنموذج الثقافي الذي نطمح اليه.