أوقفت سيارتي بجوار المسجد، ترجلت منها للدخول لصلاة المغرب، شاهدت أحدهم يتكىء على عكازين ويمشي ببطء شديد وبإرهاق أشد، توقف عند أول درجة فجاءه أحد الأطفال ليعيد شماغه فوق رأسه بعد أن سقط على كتفيه بفعل الهواء، واصل ارتقاء الدرج بصعوبة، تقدم تجاه احد الكراسي الموجودة في الصف الأول وشرع في صلاته، لم أتبين وجه هذا الرجل حتى التفت يسارا بعد التسليمة الثانية فوقع نظري عليه، التقت عيناي بعينيه، شاهدت انكسارا شديدا على محياه لعله تمنى لو لم أره في تلك الحالة، بعد الصلاة توجهت للسلام عليه حاول الوقوف بصعوبة عانقته وانصرفت لم استطع حينها أن انبس ببنت شفه. يا لهذه الحياة التي جعلتنا ندور في ترسانتها كالآلة وفرغت دواخلنا من العاطفة والوفاء فصرنا كخيالات المآتة لا روح فيها ولا حياة .ركبت سيارتي فانثالت الذكريات وأرشيف وافر من الصور والمواقف مع هذا الرجل، عرفته قبل عشرين عاما وهو شاب صالح تميز بنقاء السريرة وحب الخير للناس كان يلتزم الصمت دائما ويتحدث بأدب جم مع من حوله وبكلمات معدودات، تميز بالخلق الكريم أحبه كل من عرفه وزامله وصادقه، سألت عنه بعد ذلك الموقف الذي رأيته فيه فاخبرني صديق أن الرجل قد أصيب بجلطة دماغية قبل سنة، فقلت لصديقي ماذا عن وضعه الآن وماذا عن أسرته ومن ينفق عليهم ويرعى شؤونهم لاسيما انه يسكن في حي شعبي قديم يسكن في أكثر البيوت التي حوله العمالة الوافدة، سألت صديقي: ألا نلوم أنفسنا وتقصيرنا مع أصحابنا وأصدقائنا وإن طال أمد الفراق، فقال: للأسف أننا نعيش في زمن نسي الكثيرون بعض أقاربهم فكيف بأصدقاء لم نلتق بهم منذ أكثر من عشرين سنة . انتهى الحديث ولكن تبقى الأسئلة تلح في العقل والمشاعر تضطرم في القلب، كم ألهتنا هذه الدنيا ومشاغل الحياة عن التواصل مع صديق قديم أو زميل عزيز باعدت بيننا وبينهم الأزمنة والأمكنة، يا لهذه الحياة التي جعلتنا ندور في ترسانتها كالآلة وفرغت دواخلنا من العاطفة والوفاء فصرنا كخيالات المآتة لا روح فيها ولا حياة. ومهما قمنا بالتبرير فهو لا يعدو كونه هروبا من الحقيقة نوجد من خلاله الأعذار لنا ولتقصيرنا، والحالة هذه يبرز السؤال الأهم : في حياتنا بمشاغلها وظروفها إلى أين نحن سائرون ؟! . [email protected]