الوطن ليس جنسيتك، جنسيتك ليست سوى ذلك الحبر «الجاف» على ورقة بيضاء بلون الحياد المريب، والممهورة بالختم الرسميّ، الوطن أعقد من ذلك إنه: انتماؤك.. تلك الورقة وذلك الختم يمنحاننا هوية مقيم، وذلك الانتماء يمنحنا صفة مواطن، فهل يستويان؟! المواطنة لا يمكن رصدها بالعين المجردة، بل بالانتماء الذي لا يرصده إلا قلب المنتمي! فالانتماء هو الحد الفاصل بين من ننتمي له ومن دونه! ومقياس قوة الانتماء عندما يصطدم بأقوى ما نؤمن به أيّا كان ما نؤمن به! هذا الوطن بأن أكون مواطنا، بل إن أعقل ما أتمناه بأن أبقى مقيماً مع مرتبة الشرف إلى أن يحين موعد اختبار انتمائي، والذي سيحدد ما إذا كنت مواطناً صالحاً في لائحة الشرف، أم مقيما قي لائحة «غير المرغوب بهم»!إلاّ أن المعضلة الكبرى أن الانتماء لا يُشترى.. لا يوزّع في عنابر الجنود مع الأغطية والأحذية ولا يشاركهم التدريب العسكري، ولا يباع في الصيدليات معبأ في علب حليب الأطغال الانتماء هو اختيارنا الصرف تحت كل الظروف، هو الشجيرات التي وجدناها فينا عندما كانت بكراً، متيقنين بأن الوحيد الذي يملك حق عقابنا على التقصير به هو فقط ذلك الذي ننتمي إليه؟! الانتماء هو تلك القناعة التي تجعل من ننتمي إليه: نحن! هو ذلك الإحساس المربك في البحث عن إجابة السؤال: من منكما يحتوي الآخر؟! أنت أم ذلك الانتماء؟ وفيما لا يزال ذلك الإحساس السابق يمارس تحنيط أصابعك، يبتر ما تبقى منها بإحساس مخبأ بمنديل سؤالٍ له رائحة السواحل: من هو الجزء المكمّل منكما؟! هذا بعض مما جاء في النشرة التوضيحية لمعنى الانتماء للوطن قي عقد الاتفاق بيننا وبين قلوبنا، وبعض مما جاء أيضا أن لا يشاركه فينا أحد.. بعد هذا أسأل نفسي هل أنا مواطن حقا؟! أم أنا مقيم يحمل جنسية هذا الوطن؟! أعني: هل أنا مواطن بمعنى أنني أتلبّس هذا الوطن تحت جسدي، وأن أي جرحٍ نازف لن يمر إلاّ به؟! أم أنا مقيم قد لا يضيرني رؤية الدم كثيرا، بل ربما رحّبت به!! هل أنا مواطن وحّدت انتمائي إليه؟! أم جعلت له شريكاً في الانتماء، كأن يكون :شيخ قبيلتي، إمامي، مرشدي، أو ربما حقدي عليه؟! هل حدث أن وقفا وجها لوجه: أقوى ما أعتقده قي قلبي والوطن، وانتصر انتمائي للوطن؟! إن أقوى ما نعتقده هو آخر الحصون التي تتبقى من أرواحنا، قبل أن تسلّم أرواحنا مفاتيح أبوابها للمواطنة! فإن كان هذا حدث معي فأنا قد اجتزت امتحان المواطنة باستحقاق وعن جدارة، وإن لم يحدث ذلك بعد فأنا أقصى ما أطالب به لا يجب أن يرتقي للمطالبة من هذا الوطن بأن أكون مواطنا، بل إن أعقل ما أتمناه بأن أبقى مقيماً مع مرتبة الشرف إلى أن يحين موعد اختبار انتمائي، والذي سيحدد ما إذا كنت مواطناً صالحاً في لائحة الشرف، أم مقيما قي لائحة «غير المرغوب بهم»! أصعب ما في امتحان الانتماء أنه مفاجئ لا يمنحك وقتاً للاستعداد، وأن لا أحد سوى الوطن يختار المقيم «مشروع مواطن»، والوطن هو من يختار مادة الامتحان، وهو الذي يضع درجة النجاح، وهو الذي يصحح أوراق المختبرين، فهذه الطريقة الوحيدة ليختار الوطن مواطنيه! كم عدد المواطنين فعلا الذين سيخرج بهم الوطن لو وُضعنا جميعا دفعة واحدة تحت اختبار الانتماء ضمن الإطار الذي أعلاه؟! وكم منا لا يستحق سوى تأشيرة مقيم؟!