أتجول في شوارع عمان حيث ليس فقط السيارات هربت من ربيعها العربي للعاصمة ذات الهضاب السبع، بل حتى من يعمل في المحلات من باعة ومستثمرين وملاك، وقد تجد ظواهر مشابهة في البلدان التي تلقفت من نجا بنفسه من دموية "الربيع" كما سبق أن أشيع عن أن دبي حظيت بعدة مليارات من الدولارات ممن لاذوا بها هرباً من "الربيع العربي". تلتقي بأحد المهجرين فتشعر بنبض الألم في الكلمات، ولن يختلف الحزن في ذلك النبض إن كان غنياً أو فقيراً امرأة أم طفلاً أتيت إلى الأردن فهي أقرب نقاط الشام لكل شيء؛ لما كنا نتحدث عنه ليل نهار - سابقاً - باعتباره قضية العرب الأولى، أي إلى فلسطين، بل إني أعدّ العدة للذهاب لبلدة "أم قيس" لأكحل عيناي بطبريا وأرض فلسطين، والأردن مجاور إلى الجرح النازف في سوريا مرتكز الشام، ومن هنا بوسع المهتم ان يشاهد النزوح والتبعات الانسانية الهائلة، في حين أن بوسع من يريد حيثما كان موقعه في العالم مشاهدة ومتابعة التحركات السياسية والمماحكات، لكن يبقى البعد الانساني الأكثر إلاماً فهو يتكرر مع كل أسرة آثرت أن تبتعد عن الاقتتال، وحيث إننا في فصل الربيع حقيقةً، فقد جئت إلى هنا باحثا عن الياسمين، فلم أجد ياسميناً ولم أشتم رائحته! بل إن بواكير الرحلة ظهرت حتى قبل أن أغادر بلدي متجهاً للأردن، حيث أعلن قائد الطائرة قبل أن نقلع أن سبب تأخرها لم يك نتيجة عطل فني أو انشغال البوابات، بل بسبب تحرك شخصية مهمة في المجال الجوي الأردني، لنعرف لاحقاً أن تلك الشخصية هي الرئيس الأمريكي أوباما، ورغم كثرة التحليلات حول زيارته، لكن ما يؤلم هو البعد الانساني للمهجرين السوريين إجمالاً، ورغم أن الدول سواء في الأردن أو لبنان أو تركيا أو سواها من البلدان تبذل جهوداً واضحة لاستيعاب مئات الآلاف منهم، إلا أن المعاناة برمتها تتجسد في تشريدهم وقلقهم وحيرتهم وحسرتهم على بلدهم الذي هو جنة من جنات الأرض ومرتكز للحضارة الانسانية عبر التاريخ. تلتقي بأحد المهجرين فتشعر بنبض الألم في الكلمات، ولن يختلف الحزن في ذلك النبض إن كان غنياً أو فقيراً امرأة أم طفلاً.. أدرك أن لكل اهتماماته، فهناك من يتحدث في المآلات السياسية لكن علينا أن نفطن للمآلات الاجتماعية وللقلق والحزن وللتفتت الذي يصيب العرب والعروبة، وأدرك أن هناك من لا يكثرت بكل ذلك حالياً، لكننا أنبتنا أجيالاً عاشت القلق والفزع ألواناً من العثماني إلى الفرنسي والبريطاني إلى الانقلاباتي العسكري، والآن الاقتتال العربي ؟!