تستمر الأممالمتحدة في تناقضاتها التي لا تنتهي بحق السوريين. ويوم أمس قال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، في لقاء صحفي، إنه يدعم تقديم بشار الأسد إلى محكمة جرائم الحرب لارتكابه فظائع في سوريا. ولكنه، الأمين العام، قال أيضاً إنه لا يدعم تسليم أسلحة إلى السوريين. وهذا تناقض واضح، إذ كيف يعترف بان كي مون بأن مصير السوريين بيد مجرم حرب يمطر مدنهم ليلياً بأشد أنواع الأسلحة فتكاً ثم لا يرى تسليح هؤلاء الذين يحصد نظام الأسد المئات منهم يومياً، ويشن عليهم حرباً طائفية لتدمير مدنهم وحقولهم وبناهم التحتية وحتى مساجدهم. وكان الأولى أن يدافع أمين المنظمة الدولية عن ضرورات تزويد المدنيين السوريين العزل بأسلحة ليدافعوا عن أنفسهم ضد آلة القتل الوحشية التي لا تميز بين طفل وامرأة وأعزل في المدينة أو الحقل أو الطرقات وحتى بين الاشجار. وبان كي مون وأضرابه من المتلونين في الإدارة الأمريكية وحكومات أوروبا يبذلون جهوداً حثيثة ومتيقظة لمنع السوريين من الحصول على أسلحة يدافعون بها عن أنفسهم فيما لا ينطقون بأية إدانة لترسانات الأسلحة التي تنهال على النظام من روسيا وطهران مصحوبة بجحافل ميليشيات إيرانية من العراق ولبنان. ولا يرون بأساً أن تغزو ميليشيات حزب الله الأراضي السورية لتحتل قرى وأحياء سورية وتهجر سوريين من قراهم ومنازلهم. وحجة الأمين العام وأضرابه هو الخشية من حرب أهلية في سوريا، وإذا لم يكن ما يجري في سوريا الآن حرباً أهلية بأبشع صورها.. فما الحرب الأهلية؟. بل ان ما يجري في سوريا ليس حرباً أهلية فحسب، إنما هو حرب تطهير طائفي، تستدعي أحقاد التاريخ، وأسوأ من الحرب الأهلية بمعناها التقليدي للخصومات السياسية. وإذا لم تكن صواريخ سكود الفتاكة المدمرة، التي يطلقها نظام الأسد واتباعه على مدينة حمص ومدن أخرى وتدمر مساحات واسعة من المدن السورية تلفت انتباه الأمين العام ليدعم تسليح أبرياء للدفاع عن أنفسهم، فما الذي سوف يلفت انتباهه؟. وإذا كان مئات الآلاف من القتلى والجرحى ومئات آلاف أخرى من المغيبين والمعتقلين وملايين المهجرين لا يثيرون عاطفة الأمين العام وأممه المتحدة، فهل ينتظر بان كي مون افناء كاملاً للشعب السوري كي يعلن أسفه. أو أنه ينضم إلى الذين يخططون لتدمير سوريا إما بتقسيمها أو بتعميق جراحها. أم أن الأمين العام نسى أن الدفاع عن النفس حق مشروع لكل إنسان، وهو احد بديهيات الحياة نصت عليه مبادئ الأممالمتحدة. وكان الأولى بالأمين العام أن ينحاز إلى المظلومين والأبرياء الذين تنتهك حقوقهم وتحصد أرواحهم كل يوم بأقسى أنواع السلاح الفتاك وآلة الدمار الغشوم، لا أن يقدم تناقضات مثيرة للسخرية، لأبسط مبادئ الأممالمتحدة وحقوق الإنسان، بأن يدعو إلى جعل أبرياء عزل تحت رحمة مجرم حرب.