ويؤيد رجحان القول بجواز سفر المرأة إذا أمنت بغير محرم اتفاق الصحابة عمر وعثمان وعبدالرحمن بن عوف وابن عمر وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ومن غير نكير من بقية الصحابة في ذلك قال ابن حجر وهذا يعتبر إجماعا. وروى نافع بسند صحيح قال: كان يسافر مع عبدالله بن عمر موليات له ليس معهن محرم. والمولاة هي الأمة المعتقة التي لم يعد سيدها محرما لها. وهو مذهب عائشة فقد أخبرت بأن أبا سعيد الخدري يخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل للمرأة أن تسافر ثلاثة أيام إلا ومعها ذو محرم، فالتفتت إلينا عائشة فقالت: ما كلهن لها ذو محرم. أخرجه البيهقي والطحاوي بسند صحيح. وكانت تعمل بذلك إذ خرجت للإصلاح بين المسلمين في الفتنة فعن قيس قال: لما بلغت عائشة رضي الله عنها بعض مياه بني عامر ليلا نبحت الكلاب عليها. فقالت: أي ماء هذا؟ قالوا: ماء الحوأب. فوقفت، فقالت: ما أظنني إلا راجعة. فقال لها طلحة والزبير: مهلا رحمك الله. بل تقدمين فيراك المسلمون فيُصلح الله ذات بينهم. قالت: ما أظنني إلا راجعة. إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا ذات يوم: كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب. أخرجه ابن أبي شيبة أحمد وصححه الهيثمي وابن حجر. ويشعر بوقوع ذلك في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رواه أنس قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يغزو بأم سليم، ونسوة من الأنصار معه، إذا غزا يسقين الماء ويداوين الجرحى. أخرجه مسلم في صحيحه. فلو كان لهن محارم لنسب أخذهن للغزو إلى محارمهن وليس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ورد في غيرهن ممن خرجن للغزو مع محارمهن. وقد روي في السير هجرة كثير من النساء المؤمنات من مكة إلى المدينة بدون محارم، ومنهن زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاءت أم حبيبة من الحبشة إلى المدينة بدون محرم. قال الإمام الباجي رحمه الله في كلام نفيس بعد نقل أقوال الفقهاء في سفر المرأة للحج بدون محرم: «ولعل هذا الذي ذكره بعض أصحابنا إنما هو في حال الانفراد والعدد اليسير، فأما القوافل العظيمة والطرق المشتركة العامرة المأمونة فإنها عندي مثل البلاد التي يكون فيها الأسواق والتجار فإن الأمن يحصل لها دون محرم ولا امرأة، وقد روي هذا عن الأوزاعي. ويعضد هذا أنه لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلح الحديبية إلى المدينة هاجرت أم كلثوم بنت عقبة وسبيعة الأسلمية وأميمة بنت بشر إلى المدينة وطلبهن أزواجهن فنزل قوله: (يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات...). قال ابن الملقن في الإعلام: المشهور من مذهب الشافعي أنه لا يُشترط المحرم في سفرها للحج... وبه قال عطاء وسعيد بن جبير وابن سيرين، ومالك والأوزاعي. وإليه ذهب ابن تيمية وفي (الاختيارات) للبعلي قال: وتَحُجُّ كل امرأة آمنة مع عدم محرم. قال أبو العباس: وهذا مُتوجِّه في سفر كل طاعة أ.ه. قال النووي: وقال بعض أصحابنا: يلزمها بوجود نسوة أو امرأة واحدة، وقد يكثر الأمن ولا تحتاج إلى أحد، بل تسير وحدها في جملة القافلة وتكون آمنة. وقال البندنيجي: قال بعض أصحابنا: يجوز بغير نساء ولا امرأة إذا كان الطريق آمناً، وبهذا قال الحسن البصري وداود. قال الإمام الباجي رحمه الله في كلام نفيس بعد نقل أقوال الفقهاء في سفر المرأة للحج بدون محرم: "ولعل هذا الذي ذكره بعض أصحابنا إنما هو في حال الانفراد والعدد اليسير، فأما القوافل العظيمة والطرق المشتركة العامرة المأمونة فإنها عندي مثل البلاد التي يكون فيها الأسواق والتجار فإن الأمن يحصل لها دون محرم ولا امرأة، وقد روي هذا عن الأوزاعي. وقد أفتى بجوازه من المعاصرين مع الأمن الشيخ عبدالرزاق عفيفي وابن جبرين والشيخ محمد الددو وغيرهم. فنهي النساء عن السفر إلا بمحرم ليس نهيا مقصودا لذاته وإنما لعلة الأمن فمتى تحقق الأمن جاز سفرها على الراجح. [email protected]