هو مفكر سياسي، ومحام بالنقض، وحاصل على الدكتوراه، وانشق على جماعة الإخوان المسلمين في مصر، منذ 2002، بعد ثلاث سنوات من التردد، إذ اكتشف أنه دخل «جماعة فاشية» سيطر عليها الفكر القطبي، وأن من يسير أمورها ليسوا إلا مجموعة من المتشددين والمتطرفين، أطلق عليهم «الكهنة». كتابان ألفهمها، الأول «قلب الإخوان» والثاني «سر المعبد»، بعد أن قرأتهما بالصدفة، وجدت أنني أمام كنز معلوماتي خطير، ربما يسمع عنه الناس لأول مرة. على الفور، اتصلت بعاطف عواد، القادم تواً من دبي، طالباً وساطته لتسهيل الحوار مع ثروت الخرباوي، وكان سؤالي له محدداً: ما رأيك في كل ما ذكره الدكتور ثروت من وقائع وحقائق عن الإخوان، باعتباره استشهد بك، وكونك كنت مع مجموعة حزب الوسط الحالي، أعضاء منشقين عن الجماعة؟ ابتسم عاطف عواد ثم قال: «جميع ما كتبه ثروت حقيقي وحدث.. وإن كتبها بخيال الروائي» فقلت: إذا توسط لديه وحدد لي موعداً معه.. وقد كان. في مكتبه، بميدان الجامع بمصر الجديدة، التقيته، رحب ب(اليوم) بشدة، ولم يتردد في الرد على أي سؤال، بل كان يتحدث بطلاقة وتدفق، وكأنه يقرأ من سيناريو جاهز تماماً، لم يتحدث بعداوة، وإن كان يقطر ألماً على ما يعتقد بأنه خدعة كبرى، تجرع مرارتها، ويصر على إيضاح حقيقتها ليعرف المضلِّلون والمضلَّلون أيضاً. وتاليا نص الحوار: تجربة متناقضة في البداية، ما ملخص تجربتك مع الإخوان؟ وجدت جماعة ترفع شعارات الإسلام وعلماء ومبدعين، نظرت إلى عمر التلمسانى وابو الفتوح وهما يواجهان السادات فقلت ان الاخوان قوة، ونظرت الى الشيخين الغزالي والقرضاوى وقلت ان الاخوان ثقة ودراية، ونظرت إلى عبد المتعال الجابرى وتوفيق الشاوى فقلت ان الإخوان حكمة، ولهذا انجذبت للجماعة. ولكن عندما تبحث عن الوصول إلى قمة الجبل قد لا تدرك أن هناك الغيوم والسحابات وقد تكون القمة مليئة بالنتوءات والحفر، تماماً عندما تذهب للقمر باحثاً عن النور، ناسياً أنه انعكاس وليس مصدراً.. بحثت عن النور فى الجماعة، فإذ به ليس نابعاً من الجسم ولكن مرتبط بارتباط سلوكيات هذه الجماعة بالإسلام وإذا بها تبتعد شىئاً فشيئا عن الاعتدال، غاب النور وأصبح القمر مظلماً قفراً مليئاً بالجبال والحفر فكان لابد أن أخرج من الجماعة. بين مرحلتين مرة أخرى، ما الفرق بين التحاقك بالجماعة، وبين انشقاقك عنها؟ عندما دخلت الجماعة، كانت وسطية معتدلة تهتم بالعمل الدعوي، لكن بعد سنوات استغرقت الجماعة فى العمل السياسي بعيداً عن الدعوي، ورفعت بعض المفاهيم العسكرية مثل السمع والطاعة وثقة القيادة وتطبيقها بشكل حرفي يُغيب العقل وتضيع الحريات ومعها فريضة التنوع التى خلقها الله فينا. أصبح للجماعة بصمة واحدة لا تسمح لأحد بتعديها، حدثت أزمة كانت السبب فى صراع لسنوات بعد القبض على زملاء مقربين لي وإحالتهم لمحاكمات عسكرية فتبينت رأياً يتعلق بكيفية مواجهة هذه الأزمة وكان من ضمن بنوده ان نكون قريبين ونعمل بشكل حقيقي مع المعارضة، ولكن هذا الرأى ازعج الجماعة لأنهم كانوا يبحثون عن وفاق مع حسني مبارك، وصل الخلاف إلى قمته فكان أن تركت جماعة الإخوان. تناقض قلت أنك تركتهم لأنهم كانوا من أدوات نظام مبارك؟ نعم، رغم أنهم يلعنون مبارك الآن، إلا أنهم كانوا يجرمون الانقلاب على ولي الأمر، المرشد نفسه قال إن مبارك هو رئيس كل المصريين، وكانت لهم قنواتهم في التواصل مع النظام، ضمن لعبته، وكان عراب هذا التواصل هو الرئيس مرسي نفسه، ومعه خيرت الشاطر، واذكروا من كان يعتبر صفوت الشريف وزكريا عزمي وأحمد عز وفتحي سرور من «الرموز الوطنية» التي أخلوا لها الدوائر الانتخابية.. الأكثر من هذا أنهم لم يكونوا ضد مشروع التوريث، وعودوا لما نشر وأعلن، ولكنهم يعتقدون أن ذاكرة الناس ضعيفة. هم يقولون إنهم سجنوا من أجل تراب مصر أو قضايا الحريات؟ لا طبعا.. حوكموا وسجنوا لأنهم ضمن تنظيم يخالف القانون.. صدقني مبارك كان يستطيع أن يستأصلهم ولكنه لم يرد، لأنهم كانوا جزءا من لعبته مع الغرب، وبالتالي كان من مصلحته الإبقاء عليهم.. وإلا بم تفسر إحالة 200 منهم فقط للمحاكم العسكرية من بين نصف مليون هم كل أعضاء الإخوان. هم لم يختلفوا مع النظام حول قضية وطنية، ولكن اختلفوا من أجل أجندتهم الخاصة فقط، وبالتالي فلا صحة لكل ادعاءاتهم. صراع نفسي هناك من يتهمك بتأخر الخروج، حتى وانت تعلم المشاكل التنظيمية والفكرية؟ للأسف هذا صحيح، تآخرتُ لأني ظللت 3 سنوات في صراع نفسي، بعد أن رأيت تغليب ما هو سياسي على الدعوي، وكان من يقودون الجماعة من مدرسة عمر التلمسانى التي تميزت بكثير من الرشد، رغم أي عيوب. مرحلة أفهم من ذلك، أنك ترى ان المرحلة الحالية للإخوان غير رشيدة؟ بالتأكيد.. مرحلة التلمسانى زادت من مساحة الانفتاح، أعطى دفعات قوية للشباب للعمل والانطلاق، إذ لم يكن يحب الشكل العسكرى فى التنظيم، وكان يقاوم ذلك ويريد أن يكون تنظيماً مدنياً كاملاً حتى عندما كشف أبو العلا ماضي في إحدى الندوات، أن الإخوان كان يدربون الشباب للجهاد فى أفغانستان، وعندما جاءت جثة احدهم، نقل ماضي عن التلمساني قوله إن الموضوع تم من وراء ظهره، لأنه يرفض فكرة التنظيم العسكرى، يحسب له أنه جعل الجماعة راشدة نوعاً ما. حتى لو كان تكتيكاً، فهذا جيد. قادة المسرح ومع ذلك.. ما الذي غيّر الإخوان؟ ما حدث أن هناك مجموعة من خارج الجماعة انتموا لسيد قطب فكرياً، واتهموا معه فى قضية 65 وعندما خرجوا من السجن كانت علاقتهم قوية بالحاج مصطفى مشهور ابن التنظيم الخاص، والذى كان يرى ان السلاح هو الوسيلة للوصول إلى الحكم، تلاقت أفكار مصطفى مشهور مع القطبيين فتبناهم ووجد فيهم السبيل لاستعادة دولة الخلافة الإسلامية. وعندما خرجوا من السجن أطلق يدهم فى التنظيم شيئاً فشيئاً، وبعد وفاة التلمساني الذي طردهم، أعادهم مشهور والشخصيات الرئيسية منهم (محمد مرسي، محمود عزت، خيرت الشاطر، محمود غزلان، محمد بديع، رشاد البيومى) وهم على الواجهة الآن، لتنقلب الجماعة بهذا الشكل الذي نراه. النظام الخاص تحدثت كثيراً عن ميليشات الإخوان والتنظيم العسكري.. اشرح ذلك؟ لم آت بشيء من عندي، لكني نقلت عن قيادات الاخوان، النظام الخاص تشكل سنة 39، وأفرادها بعضها موجود على قيد الحياة، فى فترة عمر التلمسانى كانت هناك رغبة في إعادة فكرة النظام الخاص لكنه رفض، وقاومهم وطردهم. انا شخصياً تلقيت تدريبات للجماعة فى نادى الشمس، ولكن الأشخاص الذين يخضعون لهذه التدريبات لا يعرفون انهم لماذا يتدربون، البعض يعتقد أنها تدريبات عادية رياضية، ولكن الحقيقة، انه يتم انتقاء بعضهم وضمه لهذا النظام. الجماعة وحزب الله من أين لك معلومات أن عدد الميليشيات 100 ألف؟ فى 2006، صرح مهدي عاكف أن الجماعة لديها 10 آلاف شخص يستطيع إرسالهم لجنوب لبنان للقتال مع حزب الله ضد إسرائيل، وهؤلاء لن يكون «سياحا»، وفى نفس الشهر أجاب عصام العريان فى مقابلة تليفزيونية بعد سؤاله عن تصريح مهدي عاكف، فأجاب إن هؤلاء ال10 آلاف هم الجاهزون حالياً، وبإمكانه جمع 100 ألف. جاهزون دوماً هل تعتقد أن هذه المليشيات موجودة فعلاً؟ نعم بقوة، لو تذكر أنه فى عام 2006-2007 عندما قام شباب فى جامعة الأزهر باستعراض عسكري، تبين أن لديهم قوة فى الألعاب القتالية، ثم انظر لاقتحام الاتحادية، بدوا كشباب صاعقة كما شاهدنا فى التليفزيون يجرون فى طوابير ولهم قائد وهتافات معينة، بالإضافة إلى حارس خيرت الشاطر الذى اعتقل ومعه سلاح ووجدت صور فى هاتفه وهو يتلقى تدريبات فى غزة مع حماس، لا أظن انها حالة فردية، ولكنه توجه جماعى والفلتات تكشفهم أحياناً. الحكم والتحكم كتبت قبل أيام، مقالا بعنوان «الرئيس السابق» وقلت إن مرسي لم يعد رئيساً لمصر.. ودعوت لمحاكمته.. لماذا؟. بالطبع، مرسي أخل بتعاقده الاجتماعي مع الشعب، وبالتالي سقطت شرعيته.. والأمثلة كثيرة، بدءا من الحنث باليمين، حتى مخالفة الدستور والقانون وغيرها.. ولا تنس فشله في إدارة شؤون البلاد. هناك فارق بين الحكم والتحكم، مرسي كشخص لا يحكم ولا يتحكم، ولكن جماعة الإخوان لا تحكم ولكن تتحكم، فمصر الآن تحت التحكم وليس الحكم، أقصد تحكم مكتب الإرشاد. أضف لذلك، العلاقات المريبة بإيران، وحماس، كذلك إلحاق أعداد كبيرة من شباب الإخوان بالكليات العسكرية والشرطة ومن بينهم ابن عصام العريان نفسه. أخونة الجيش والشرطة هل ترى في ذلك محاولات لأخونة الجيش والشرطة؟ طبعاً وبقوة، ليس فى مؤسسات المجتمع فقط ولكن فى المؤسسات السيادية مثل الجيش والشرطة والقضاء، وهذه المرحلة الأولى من مرحلة التمكين، وهى مرحلة نشر الرجال حيث تجرى بسرعة للسيطرة على مفاصل الدولة. خلايا نائمة معنى ذلك ؟ نعم.. من قرابة 4 سنوات تقريبا، ذكر المهندس أبو العلا ماضي، أن للإخوان تنظيما داخل القوات المسلحة، واسمه قسم الوحدات، وكشف عن حوار مع مصطفى مشهور الذي اعترف له في فترة الثمانينيات عن أن الإخوان سيصلون للحكم، فاستغرب ماضي وسأله: كيف؟ فقال له عن طريق تنظيم للإخوان في الجيش ومن خلاله سيصلون للحكم. الأكثر من ذلك، أنه في عام 2006، أرسل أحد قيادات تنظيم القاعدة برقية شكر للجماعة، نشرت على موقعهم «إخوان أون لاين» يشكرهم على مساعداتهم عبر تنظيم قسم الوحدات بالجماعة، لهم في أفغانستان، وخص بالشكر قياديين بالجماعة، منهم صلاح شادي. حرس ثوري هل تعتقد أنهم يعملون على تشكيل حرس ثوري على الطريقة الإيرانية؟ بالعكس، التاريخ يكشف أن الإيرانيين هم الذين اقتبسوا ذلك من النظام الخاص الإخواني، الذي لا يمكن أن يكون علنياً، أي له صفة المخابراتية.. هل كنت ترى عمر سليمان باستمرار؟ بالطبع لا.. كذلك الحال في الإخوان، لا ترى محمود عزت، هكذا يظل العمل المخابراتي الإخواني السري. الإخوان وأمريكا سمعت أن لديك معلومات عن صفقة لوصول مرسي للحكم؟ طبعاً، وهي واضحة من العلاقات بين الإخوان والأمريكان، الدكتور مصطفى الفقي قال قبل سنوات إن الرئيس القادم يجب أن توافق عليه أمريكا ويخضع لإسرائيل، ما أثار عليه عاصفة غضب وقتها من نظام مبارك، وهذا للأسف صحيح، منذ فترة بسيطة راجعت الفقي في كلامه، ولكنه أكد تصميمه على هذه العبارة، وان الذى حدث فى مصر الآن هو ترجمة لهذه العبارة. عندما نتتبع العلاقة، نجد د. سعد الدين إبراهيم، كان له دور رئيسي فيها منذ 2003، قال إنه الذى اوصل الإخوان بأمريكا وكان همزة الوصل بينهما. هناك أيضا، شيرال دونالد، سيدة نسماوية الجنسية متزوجة من زلماى خليل زاده، السفير الأمريكي السابق بالعراق، تمتلك مركز دراسات بحثية، يغذى البيت الأبيض بدراسات الشرق الأوسط، وأعدت بحثا عن الحركات الإسلامية فى العالم ومنطقة الشرق الأوسط وأوصت ان تجرى امريكا حوارات موسعة مع الإخوان وتعتمد عليهم لأنهم سيصلون للحكم وان يكون الوصول عن طريق البيت الأبيض. قالت أيضاً إن الجماعة نفعية وامريكا تستطيع أن تتعامل معها ولكن يجب ان يكون هناك مزيد من التعارف، بعدها قام سعد الدين إبراهيم بتعريفهم بامريكا بناء على رغبة الإخوان، وهيلارى كلينتون قالت اننا كنا نتقابل مع الإخوان فى سنوات ماضية، كان هناك سعد الكتاتنى قالت هيلارى كلينتون إنه من الشخصيات التى قابلت الإدارة الأمريكية، وبرر موقع الحرية والعدالة المقابلة كان بصفته عضوا فى البرلمان وليس بصفته الإخوانية، وهو تبرير هزيل. زيارات المسؤولين الكبار، جون ماكين وجون كيرى ووليم بارينز، للإخوان المسلمين فى الفترات السابقة لإعلان النتيجة يؤكد أن أمريكا لها دور كبير، حتى تصريحات هنرى كيسينجر فى أحد المؤتمرات بإسطنبول قبل إعلان الإخوان ترشيح مرشح لهم أن الحاكم المصري القادم سيكون من الاخوان وابدى عدم ممانعته فى ذلك بشرط ضمان استمرار شراء الإسلحة واتفاقيات السلام والملاحة فى قناة السويس، وكان الكلام خافياً عن النخب المصرية ولكن أحداً لم يضع ذلك بالاعتبار.